إضمارين فقلتم: " ولا جنبا " إلا لمسافر عادم للماء وتيمم، فقد أضمرتم عدم الماء والتيمم بعد عدمه، فمن أضمر في الخطاب إضمارا واحدا كان أولى ممن أضمر إضمارين كما أن من حمله على ظاهره أولى ممن أضمر فيه إضمارا واحدا.
والثالث: إذا حملنا الصلاة على المسجد حملنا اللفظ على العموم لأنه يقتضي أن لا يقرب الجنب المسجد أبدا إلا عابر سبيل.
وهم إذا حملوا الصلاة على حقيقتها حملوا قوله إلا عابري سبيل على الخصوص فإنه يقتضي أن لا يجوز للجنب أن يصلي بالتيمم أبدا إلا للمسافر عند عدم الماء وهذا مخصوص لأنه يجوز لغيره وهو الجريح والمريض في الحضر إذا خافا التلف من استعمال الماء فكان حملها على العموم أولى من حملها على الخصوص.
والرابع: إن حقيقة الاستثناء ما كان من جنس المستثني منه وإذا كان من غير جنسه كان مجازا.
ونحن إذا حملنا الصلاة على المسجد، جعلنا الاستثناء من جنسه، لأن الجنب الذي منع من العبور في المسجد غير عابر سبيل، هو الجنب الذي جوز له العبور فيه وهو جنب في الموضعين معا.
وعلى ما قالوا جعلوا الاستثناء من غير جنسه، لأن الجنب الذي منع من قربان الصلاة في غير السفر غير الذي أباحوه له في السفر، لأنه منع منها غير المسافر قبل التيمم، وأبيحت للمسافر بعد التيمم فليس من استباح الصلاة من جنس من لا يستبيحها، فكان هذا مجازا، فكان حمله على حقيقته أولى من حمله على المجاز.
والخامس: قوله: " لا تقربوا الصلاة " حقيقة فيما كان من قرب المكان، يقال: لا تقرب داري، ولا تقرب المسجد الحرام. وحمله على قرب الأفعال مجاز، لأنه لا يقال في الحقيقة: لا تقرب أفعالك، ولا تقرب الأكل والشرب إلا