وهذا التأويل مروي عن عمر، وابن مسعود، فكان تقدير الآية لا يقرب المسجد سكران ولا جنب إلا عابري سبيل (1)، فدل على جواز عبور الجنب فيه.
فإن قالوا: معنى الآية غير هذا وهو أن قوله تعالى: " لا تقربوا الصلاة " حقيقة هذه الصلاة، فنحملها على حقيقتها، ولا يقربها سكران ولا جنب إلا عابري سبيل، وهو إذا كان مسافرا عابر سبيل، فإن له أن يتيمم وهو جنب ويصلي. فتساوينا في الآية، لأنكم حملتم آخرها على الحقيقة وأولها على المجاز، ونحن حملنا أولها على الحقيقة وأضمرنا في آخرها، ومن أضمر في الخطاب كمن ترك حقيقة إلى المجاز. قالوا: وهذا تأويل ابن عباس وعلي عليه السلام (2).
قيل: إذا اختلفت الصحابة في تأويل آية وجب أو يرجح قول بعضهم وتأويلنا أولى من وجوه:
أولها: إن جواز التيمم للجنب المسافر مستفاد من آخر الآية وهو قوله تعالى: " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " (3) وإذا كان هذا الحكم مستفادا من آخرها فكيف يحمل أولها عليه لأنه لا فائدة له، فكان حمل الخطاب على فائدة أولى من حمله على التكرار.
والثاني: هو أن الإضمار في الكلام بمنزلة ترك الحقيقة فيه، لأنه إذا أمكن حمله على الحقيقة فلا وجه لحمله على المجاز، وإذا أمكن حمله على ظاهره فلا معنى للإضمار فيه، فصار الإضمار وترك الحقيقة سواء.
وإذا كانا سواء فقد تركنا حقيقة كلمة واحدة، وأنتم أضمرتم في آخر الآية