الخلاف - الشيخ الطوسي - ج ١ - الصفحة ٨٧
وذهب مالك وأحمد إلى أنهما من الرأس لكنهما يمسحان بماء جديد (1).
وذهب الشعبي (2) والحسن البصري، وإسحاق: إلى أن ما أقبل منهما يغسل، وما أدبر يمسح مع الرأس (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " (4)، فأوجب غسل الوجه، ومسح الرأس، ولم يذكر الأذنين. وأيضا خبر الأعرابي يدل عليه.
وروى ابن بكير (5)، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام، أن أناسا يقولون: إن بطن الأذنين من الوجه، وظهرهما من الرأس. فقال: ليس عليهما غسل ولا مسح (6).
مسألة 38: الفرض في غسل الأعضاء مرة واحدة، واثنتان سنة، والثالثة بدعة. وفي أصحابنا من قال: إن الثانية بدعة (7) وليس بمعول عليه. ومنهم من

(١) المدونة الكبرى ١: ١٦، ومسائل الإمام أحمد بن حنبل: ٨، وأحكام القرآن للجصاص ٢: ٣٥٣، وتحفة الأحوذي ١: ١٤٨. وتفسير القرطبي ٦: ٩٠، وبداية المجتهد ١: ١٣.
(٢) أبو عمر، عامر بن شراحيل الشعبي الحميري، كوفي من شعب همدان، وإليها ينسب. روى عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن ثابت، وسعيد بن زيد وغيرهم. وروى عنه أبو إسحاق السبيعي، والأعمش، وسعيد بن عمر وغيرهم. مات سنة (١٠٤ ه‍). وقيل (١٠٧ ه‍). طبقات الفقهاء: ٦١، وتهذيب التهذيب ٥: ٦٥.
(٣) سنن الترمذي ١: ٥٥، وأحكام القرآن لابن العربي ٢: ٥٧٤، وتحفة الأحوذي ١: ١٤٧.
(٤) المائدة: ٦.
(٥) أبو علي، عبد الله بن بكير بن أعين بن سنسن الشيباني ثقة، مولاهم، روى عن الصادق عليه السلام، وروى عنه الحسن بن علي بن فضال، والقاسم بن عروة، وجعفر بن بشير وغيرهم. رجال النجاشي:
١٦٤
، والفهرست ١٠٦، وتنقيح المقال ٢: ١٧١.
(٦) الإستبصار ١: ٦٣ حديث ١٨٧، والكافي ٣: ٢٩ حديث ١٠. وفي التهذيب ١: ٥٥ حديث ١٥٦ من دون كلمة (بطن).
(٧) لم نعثر على هذا القول في مظان المصادر المتوفرة لدينا. وقد صرح بنسبته للشيخ الصدوق (قدس سره) ابن إدريس في السرائر: وقال: والمرتان سنة وفضيلة بإجماع المسلمين، ولا يلتفت إلى خلاف من خالف من أصحابنا بأنه لا يجوز المرة الثانية، لأنه إذا تعين المخالف وعرف اسمه ونسبه فلا يعتد بخلافه. والشيخ أبو جعفر محمد بن بابويه يخالف في ذلك. (انتهى).
وقد استند على قول ابن إدريس (قدس سره) أكثر الفقهاء الذين تلوه، ونسبوا المخالفة إلى الشيخ الصدوق قدس سره أيضا.
فنقول: لم يستظهر من كتب الشيخ الصدوق (قدس سره) كما ستطلع عليه القول بذلك. ولعل ابن إدريس (قدس سره) استند إلى كتاب آخر غير ما هو موجود بين أيدينا من كتب الشيخ الصدوق (قدس سره).
أما ما قاله الصدوق في الهداية: ١٧ ما لفظه: إن من توضأ مرتين لم يؤجر، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع (إنتهى).
وأما ما قاله في الفقيه ١: ٢٥ ما لفظه: وأما الأخبار التي رويت في أن الوضوء مرتين مرتين، فأحدها بإسناد منقطع برواية أبي جعفر الأحول، ذكر عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
فرض الله الوضوء واحدة ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله للناس اثنتين اثنتين.
وهذا على وجه الانكار، لا على وجه الإخبار. كأنه عليه السلام يقول: حد الله حدا فتجاوزه رسول الله صلى الله عليه وآله وتعداه. وقال تعالى: " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ".
وفي حديث آخر بإسناد منقطع رواه عمرو بن أبي المقدام قال: حدثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: إني لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله اثنتين اثنتين، فإن النبي صلى الله عليه وآله كان يجدد الوضوء لكل فريضة.
فمعنى هذا الحديث هو إني لأعجب ممن يرغب عن تجديد الوضوء، وقد جدده النبي صلى الله عليه وآله. والخبر الذي روي: أن من زاد على مرتين لم يؤجر يؤكد ما ذكرته. ومعناه إن تجديده بعد التجديد لا أجر له. وكذلك ما روي أن مرتين أفضل معناه التجديد. وكذلك ما روي في مرتين أنه إسباغ. (إنتهى).
ويستفاد مما تقدم من كلام الشيخ الصدوق قدس سره: إن الثانية لم يؤجر عليها هو غسل الأعضاء في الوضوء الواحد مرتين. وعدم الأجر على الفعل لا يدل على عدم الجواز، وكونه بدعة. ولعل ابن إدريس وصاحب الحدائق وغيرهما من الفقهاء العظام قدس الله أرواحهم استظهروا من عدم الأجر كونه بدعة.
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست