جمع من الأصحاب أن المراد بالارتماس هنا غمس الرأس في الماء أعم من أن يكون مع البدن أو وحده وإن كان البدن خارجا من الماء، ووجهه ظاهر من ما تقدم في الأخبار حيث إن جملة منها تضمنت المنع من غمس الرأس في الماء وهو ظاهر في أن النهي إنما تعلق برمس الرأس خاصة كيف اتفق.
والظاهر أن الرقبة غير داخلة فيه بل المراد منه ما فوق الرقبة، ودخولها في أخبار الغسل لا يستلزم دخولها هنا لأنها عضو منفصل عن الرأس، وإنما دخلت في الرأس في أخبار الغسل من حيث تثليث الأعضاء فيه بالرأس والجانب الأيمن والجانب الأيسر وهي غير داخلة في أحد الجانبين اتفاقا فتدخل في الرأس، ولهذا أن بعضهم كما تقدم في باب الغسل توقف في دخولها فيه أيضا والحق دخولها كما أوضحناه ثمة.
ثم إن بعض الأصحاب اشترط في غمس الرأس الدفعة العرفية فلو غمسه على التعاقب لم يتعلق به التحريم، وهو مبني على ما ذكروه في الغسل الارتماسي من اشتراط الدفعة العرفية، وقد بينا في باب غسل الجنابة من كتاب الطهارة ضعفه وأنه مجرد وهم نشأ من قولهم (عليهم السلام) في أخبار الغسل الارتماسي " ارتماسة واحدة " فحملوا ذلك على الدفعة وأبطلوا الغسل بما إذا لم يكن كذلك، والأمر ليس كما ذكروه كما بيناه ثمة. وبه يظهر أن ما فرعوا عليه في هذا الموضع لا وجه له ولا دليل عليه.
وحيث قد عرفت أن الرأس هو ما فوق الرقبة فيحب قصر الحكم عليه.
وأما ما ذكره في المدارك بعد أن فسر الرأس بما ذكرنا من أنه لا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة وإن كانت منابت الشعر خارجة عن الماء - فهو في غاية البعد لعدم صدق غمس الرأس والارتماس المعلق عليه الحكم في الأخبار وكلام الأصحاب.
وكأنه بنى على أن النهي عن الارتماس إنما هو من حيث خوف دخول الماء في شئ من هذه المنافذ فحكم بصدق الارتماس بمجرد غمسها في الماء.