أقول: لا ريب في دخول الخبز اليابس بالنار أو الهواء في ما ذكره من الأفراد التي يجب بمقتضى تحقيقه الحكم فيه بالطهارة كالأرض التي تجف بغير الشمس، وتوقفه هنا على وجود القائل به يدفعه قوله بما ذهب إليه من هذا القول الذي تفرد به فإن عامة الأصحاب قديما وحديثا كما لا يخفى على من راجع كتبهم وكلامهم على أن النجاسات متى أثرت في شئ بملاقاتها له برطوبة وجب استصحاب ذلك إلى وجود المطهر الشرعي وهو قد ذهب إلى طهارته بمجرد زوال العين في غير الثوب والبدن والآنية، فاللازم هنا هو طهارة الخبز الذي عجينه نجس باليبس وزوال الماء النجس كيف اتفق كما لا يخفى إذ العلة في الموضعين واحدة والتستر عن ذلك بلزوم احداث قول ثالث في هذا المقام تستر بما هو أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت، فإن انتشار الخلاف وتكثر الأقوال في المسائل الشرعية بين المتأخرين مما لم يوجد في كلام المتقدمين ولو صحت هذه القاعدة لم يبلغ الأمر إلى ذلك، على أن الأصل الذي بنى عليه كما عرفت إنما أحدثه هو خاصة ولم يقل به أحد قبله بل عبائر الأصحاب كلها على خلافه وإن سجل عليه بما سجل وأكثر بما طول، وبالجملة فظهور المنافاة بين كلاميه مما تقدم في مسألة تطهير الشمس وما ذكره هنا أوضح من أن يحتاج إلى تطويل وإن تستر عنه بما لا اعتماد عليه ولا تعويل.
وكيف كان فالواجب الرجوع إلى الروايات الواردة في المقام وبيان ما يفهم منها من الأحكام:
فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال وما أحسبه إلا حفص بن البختري (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال يباع ممن يستحل أكل الميتة ".
وفي الصحيح عن ابن أبي عمير أيضا عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " يدفن ولا يباع ".