أن يكون عالما بالحكم الشرعي أو جاهلا فإنه كالعالم في البطلان، لأن شرط التكليف إمكان العلم فيكون مكلفا بما يشترط في الصلاة وعدم معرفة ذلك تقصير منه مستند إلى تفريطه فيكون قد ضم تفريطا إلى جهل فلا يكون معذورا، لأنه بعد أن وصل إليه وجوب الصلاة واشتراطها بأمور لزمه الفحص والتحقيق عما تصح معه وتفسد فتركه ذلك اخلال به عمدا، ونقل في المدارك عن العلامة وغيره أنهم صرحوا بأن جاهل الحكم عامد لأن العلم ليس بشرط للتكليف، ثم اعترضه بأنه مشكل لقبح تكليف الغافل قال والحق أنهم إن أرادوا بكون الجاهل كالعامد أنه مثله في وجوب الإعادة في الوقت مع الاخلال بالعبادة فهو حق لعدم حصول الامتثال المقتضي لبقاء التكليف تحت العهدة وإن أرادوا أنه كالعامد في وجوب القضاء فهو على اطلاقه مشكل لأن القضاء فرض مستأنف ويتوقف على الدليل فإن ثبت مطلقا أو في بعض الصور ثبت الوجوب وإلا فلا، وإن أرادوا أنه كالعامد في استحقاق العقاب فمشكل لأن تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق، نعم هو مكلف بالبحث والنظر إذا علم وجوبهما بالعقل والشرع فيأثم بتركهما لا بترك ذلك المجهول كما هو واضح انتهى كلامه. وعليه جرى جملة ممن تأخر عنه.
والتحقيق عندي في المقام هو التفصيل بالنسبة إلى أفراد المكلفين وإن كلام كل من القائلين بعدم المعذورية والقائلين بالمعذورية ليس على اطلاقه، وذلك لما حققناه في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب من أن الجهل على قسمين: (أحدهما) أن يراد به الغفلة عن الحكم الشرعي بالكلية وهو الجهل الساذج وهذا هو الذي يجب القول بمعذوريته في جميع الأحكام لأن تكليف الغافل الذاهل مما منعت منه الأدلة العقلية والنقلية وعليه يجب أن تحمل الأخبار المستفيضة بمعذورية الجاهل و (ثانيهما) أن يراد به الغير العالم وإن كان شاكا أو ظانا وهذا هو الذي يجب أن يقال بعدم معذوريته وعليه تحمل الأخبار الدالة على عدم معذورية الجاهل كما تقدمت في المقدمة المذكورة،