فمنظور فيه وذلك لأن الممارسة تنبه على أن المقتضي لنحو هذا الاضمار في الأخبار ارتباط بعضها ببعض في كتب روايتها عن الأئمة (عليهم السلام) فكان يتفق وقوع أخبار متعددة في أحكام مختلفة مروية عن إمام واحد ولا فصل بينها يوجب إعادة ذكر الإمام (عليه السلام) بالاسم الظاهر فيقتصرون على الإشارة إليه بالمضمر. ثم إنه لما عرض لتلك الأخبار الاقتطاع والتحويل إلى كتاب آخر تطرق هذا اللبس ومنشأه غفلة المقتطع لها وإلا فقد كان المناسب رعاية حال المتأخرين لأنهم لا عهد لهم بما في الأصول، واستعمال ذلك الاجمال إنما ساغ لقرب البيان وقد صار بعد الاقتطاع في أقصى غاية البعد ولكن عند الممارسة والتأمل يظهر أنه لا يليق بمن له أدنى مسكة أن يحدث بحديث في حكم شرعي ويسنده إلى شخص مجهول بضمير ظاهر في الإشارة إلى معلوم فكيف باجلاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كمحمد بن مسلم وزرارة وغيرهما، ولقد تكثر في كلام المتأخرين رد الأخبار بمثل هذه الوجوه التي لا يقبلها ذو سليقة مستقيمة، هذا وقد كان الأولى للعلامة (قدس سره) في الجواب عن الاحتجاج بهذا الحديث بعد حكمه بصحة حديث ابن أبي يعفور ورجوع كلامه في جوابه إلى أن حديث ابن أبي يعفور أرجح في الاعتبار من خبر ابن مسلم أن يجعل وجه الرجحان كون ذلك من الصحيح وهذا من الحسن. انتهى.
أقول: ومن العجب هنا كلامهم في الرواية المذكورة فيما اشتملت عليه من الارسال اعتراضا وجوابا مع أن الصدوق رواها في الفقيه عن محمد بن مسلم أنه قال للباقر (عليه السلام) كما قدمنا ذكره في عد الروايات فكيف غفل الجميع عن ملاحظة ذلك واحتاجوا إلى هذا التكلف سؤالا وجوابا؟
إذا عرفت ذلك فاعلم أن في المدارك بعد أن استدل للمرتضى بحسنة محمد بن مسلم المروية في التهذيب ورواية الجعفي قال: وجه الدلالة أنه (عليه السلام) رتب الإعادة على كون الدم أكثر من مقدار الدرهم فينتفي بانتفائه عملا بالشرط وهو منتف مع المساواة، ولا يعارض بالمفهوم الأول لاعتضاد الثاني بأصالة البراءة. انتهى.