الحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج ٥ - الصفحة ٢٩٥
من الشارع فلو كان لهذه المسألة أصل مع عموم البلوى بها لخرج عنهم (عليهم السلام) ما يدل عليها أو يشير إليها وحيث لم يخرج عنهم فيها شئ سقط التكليف بها إذ لا تكليف إلا بعد البيان ولا مؤاخذة إلا بعد إقامة البرهان، وهذا يرجع في التحقيق إلى ما قدمنا ذكره في غير موضع وبه صرح المحدث الأمين الاسترآبادي من الاستدلال بالبراءة الأصلية والعمل بها فيما يعم به البلوى من الأحكام.
و (ثانيا) أن القول بذلك موجب للحرج والضيق المنفيين بالآية والرواية والاجماع (1) إذ لا يخفى أنه لا يكاد أحد من المكلفين فارغ الذمة من واجب من الواجبات البدنية أو المالية ويأتي بناء على هذا القول بطلان عباداته وصلواته في غير ضيق الوقت وعدم ترخصه في أسفاره وتأثيمه في جملة أفعاله من أكله وشربه ومغداه ومجيئه ونومه ونكاحه ونحو ذلك لأن الفرض أنه منهي عن هذه الأضداد الخاصة والنهي حقيقة في التحريم، وأي ضيق وحرج أعظم من ذلك؟
و (ثالثا) الأخبار الدالة على عدم التكليف بأمثال هذه الأمور التي لم يرد فيها شئ بنفي ولا اثبات مثل قول الصادق (عليه السلام) في رواية إسحاق بن عمار (2) " أن عليا (عليه السلام) كأن يقول أبهموا ما أبهمه الله " وما رواه الشيخ المفيد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (3) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله حد لكم حدودا فلا تعتدوها وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها وسن لكم سننا فاتبعوها وحرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها وعفا لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فلا تتكلفوها " وما رواه في الفقيه (4) في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال فيها: " إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقضوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها

(١) تقدم ما يدل على ذلك ج ١ ص ١٥١ (٢) رواه في البحار في الباب ٣٣ من كتاب العلم رقم ٥ (٣) رواه في البحار في الباب ٣٢ من كتاب العلم رقم 11 (4) باب (نوادر الحدود).
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست