ان أكون أول قتيل يقتل بين يديك لعلي أكون ممن يصافح جدك محمدا صلى الله عليه وآله وسلم غدا في القيامة - هكذا في بعض الروايات، ولا يخفى ان مقتضى بعض الروايات انه قتل جماعة قبل الحر، وهو المستفاد من تاريخ ابن الأثير، فلذلك حمل قوله: أول قتيل بين يديك، على أن المراد أول قتيل من المبارزين، ويمكن كون الحر أول المقتولين. وعدم صحة ما دل على خلاف ذلك، كما لعله يفهم من ارشاد المفيد فإنه لم يذكر أن أحدا تقدم الحر في القتل سوى ابن عوسجة صرع قبله - قال ابن الأثير: وقاتل الحر بن يزيد مع الحسين قتالا شديدا، وبرز اليه يزيد بن سفيان فقتله الحر وقال غيره: فحمل الحر على أصحاب عمر بن سعد وجعل يرتجز ويقول - كما في مناقب ابن شهرآشوب وغيره:
اني انا الحر ومأوى الضيف * أضرب في أعراضكم بالسيف عن خير من حل بلاد الخيف * أضربكم ولا أرى من حيف وروى أبو محنف ان يزيد بن سفيان الثغري من بني الحارث بن تميم كان قال: أما والله لو رأيت الحر حين خرج لاتبعته السنان. فبينما الناس يتجاولون ويقتتلون، والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ويتمثل بقول عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره * ولبانه حتى تسربل بالدم وان فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه وان دماءه لتسيل إذ قال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان: هذا الحر الذي كنت تتمناه قال نعم! وخرج اليه فقال له: هل لك يا حر بالمبارزة؟ قال: نعم قد شئت، فبرز له، قال الحصين: وكنت انظر اليه فوالله لكان نفسه كانت في يد الحر، فخرج اليه فما لبث الحر ان قتله. وروى أبو مخنف عن أيوب بين مشرح الخيواني انه كان يقول: جال الحر على فرسه فرميته بسهم فحشأت (1) فرسه، فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحر وكأنه ليث والسيف في يده وهو يقول:
ان تعقروا بي فانا ابن الحر * أشجع من ذي لبد هزبر قال: فما رأيت أحدا يفري فرية، وأخذ يقاتل راجلا وهو يقول:
آليت لا أقتل حتى أقتلا * ولن أصاب اليوم الا مقبلا أضربهم بالسيف ضربا معضلا (مفصلا) * لا ناكلا عنهم ولا مهللا لا عاجزا عنهم ولا مبدلا * أحمي الحسين الماجد المؤملا وقال ابن الأثير: قاتل الحر راجلا قتالا شديدا، وفي رواية: أنه كان يرتجز ويقول:
اني انا الحر ونجل الحر أشجع من ذي لبد هزبر ولست بالجبان عند الكر * لكنني الوقاف عند الفر وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفا وأربعين رجلا - على بعض الروايات، وعلى بعضها ثمانية عشر رجلا. وقال ابن الأثير: وحمل الحر وزهير بن القين فقاتلا قتالا شديدا، فإذا حمل أحدهما وغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه، ففعلا ذلك ساعة. وفي ذلك يقول عبيد الله بن عمرو البدائي من بني البداء وهم من كندة:
سعيد بن عبد الله لا تنسينه * ولا الحر إذ آسى على قسر ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه، فاشترك في قتله أيوب بن * مسرح ورجل آخر من فرسان أهل الكوفة، فاحتمله أصحاب الحسين حتى وضعوه بين يدي الحسين وبه رمق، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: أنت الحر كما سمتك أمك حر في الدنيا وسعيد في الآخرة. وفي رواية انه اتاه الحسين ودمه يشخب فقال: بخ بخ لك يا حر! أنت حر كما سميت في الدنيا والآخرة. وقبر الحر على فرسخ من مدينة كربلاء في مشهد مزور معظم، ولا يدري ما سبب دفنه هناك. ويدور على الألسن أن قومه أو غيرهم نقلوه من موضع المعركة فدفنوه هناك.
تنبيه وقع في مقتل منسوب لأبي مخنف وقد طبع مع الجزء العاشر من البحار، وطبع أيضا في بمبئي ذكر أمور تتعلق بالحر بن يزيد لم تعلم صحتها أو علم بطلانها مثل نسبة الأبيات الميمية التي قالها عبيد الله بن الحر الجعفي الآتية في ترجمة عبيد الله وأولها:
يقول أمير غادر حق غادر * ألا كنت قد قاتلت الشهيد بن فاطمة إلى نهاية 15 بيتا إلى الحر بن يزيد مع تغيير البيت الأول إلى قوله:
أكون أميرا غادرا وابن غادر * إذا كنت قد قاتلت الحسين بن فاطمة وتغيير بعض أبيات أخر وانقاصها إلى تسعة أبيات. ومثل ان الحر حمل على القوم وأنشأ يقول:
هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع * فأنت بكأس الموت لا شك جارع وحام عن ابن المصطفى وحريمه * لعلك تلقى حصد ما أنت زارع لقد خاب قوم خالفوا الله ربهم * يريدون هدم الدين والله شارع يريدون عمدا قتل آل محمد * وجدهم يوم القيامة شافع ومثل: أنهم رموا رأس الحر بين يدي الحسين، فأنشأ الحسين عليه السلام يقول:
فنعم الحر حر بني رياح * صبور عند مشتبك الرماح ونعم الحر في رهج المنابا * إذ الأبطال تخطر بالصفاح ونعم الحر إذ واسى حسينا * فجاد بنفسه عند الصياح لقد فاز الأولى نصروا حسينا * وفازوا بالهداية والفلاح ولما تأملت بعض هذا المقتل المطبوع المنسوب إلى أبي مخنف علمت أنه ليس لأبي مخنف وانه منه برئ، وانما ألفه رجل ونسبه إلى أبي مخنف.
وربما يكون فيه شئ من مقتل أبي مخنف، بأن يكون هذا الرجل عمد إلى مقتل أبي مخنف فمسخه وغيره وحرفه تحريفا قبيحا، فزاد عليه ونقص منه وغير وبدل. وأبو مخنف من رؤساء أهل الأخبار، وكل من ألف في التاريخ نقل عنه وأخذ منه، وأكثر ما في هذا المقتل لا يمكن صدوره من أبي مخنف. فالأبيات الميمية هي لعبيد الله الحر الجعفي، كما ذكره جميع المؤرخين، منهم ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 68 ومنهم أبو مخنف نفسه فيما حكاه صاحب خزانة الأدب عن أبي سعيد السكري عن أبي مخنف، والابيات نفسها تشهد أنها ليست للحر فهو يقول فيها:
فيا ندمي ان لا أكون نصرته * ألا كل نفس لا تواسيه نادمه