ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين عليه السلام، كان الحر من رؤساء أهل الكوفة. أرسله ابن زياد من القادسية أميرا على ألف فارس يستقبل بهم الحسين لئلا يدخل الكوفة. وجعله ابن سعد يوم عاشوراء على ربع تميم وهمدان، وقال يوسف قزأوغلي المعروف بسبط بن الجوزي في تذكرة الخواص: كان الحر بن يزيد اليربوعي من سادات أهل الكوفة اه. وفي ابصار العين: كان الحر شريفا في قومه جاهلية واسلاما، فان جده عتابا كان رديف النعمان وولد عتاب قيسا وقعنبا ومات فردف قيس للنعمان ونازعه الشيبانيون. فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة، قال: والحر هو ابن عم الأخوص الصحابي الشاعر وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب اه. (أقول) في الإصابة: زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب بن هرمى بن رياح بن يربوع التميمي اليربوعي ولم يذكر انه يسمى الأخوص ولم يذكره في الاستيعاب وأسد الغابة.
خبره يوم كربلاء إلى حين شهادته ليس لدينا شئ من أخبار الحر رغم كونه من الرؤساء - سوى أخباره يوم كربلاء. ويفهم من كلام المؤرخين أن الحر كان مع الحصين بن تميم بالقادسية أخرجه ابن زياد معه من الكوفة. وقد كان ابن زياد بعث الحصين بن تميم صاحب شرطته وأمره ان ينزل القادسية ويقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين قال ابن الأثير: كان مجئ الحر من القادسية أرسله الحصين بن تميم في ألف يستقبل بهم الحسين، وانفرد ابن عساكر بقوله: انه لم يبلغ الحسين قتل مسلم حتى كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال فلقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له: ارجع فاني لم أدع لك خلفي خيرا، وأخبره الخبر فهم ان يرجع وكان معه اخوة مسلم فقالوا والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نقتل فساروا اه. وهذا اشتباه فان الحر جاء ليمنع الحسين من دخول الكوفة وقد منعه من الرجوع ولم يذكر أحد أنه أشار عليه بالرجوع، والحسين بلغه قتل مسلم قبل ذلك. روى أبو مخنف عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين، وروى نحوه ابن طاوس في (كتاب الملهوف) قالا: كنا نساير الحسين، فنزل الحسين شراف، فلما كان السحر أمر فتيانه باستقاء الماء والاكثار منه ففعلوا ثم ساروا صباحا فرسموا (1) صدر يومهم حتى انتصف النهار فكبر رجل منهم فقال الحسين: الله أكبر لم كبرت؟ قال: رأيت النخل، قالا: فقلنا إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط، قال: فما تريانه رأى؟ قلنا: رأى هوادي (2) الخيل وفي الملهوف: فما ترونه؟ قالوا: نراه والله أسنة الرماح وآذان الخيل! قال: وأنا والله أرى ذلك. ثم قال الحسين: أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟ قالوا: بلى! هذا ذو حسم - وهو اسم موضع - عن يسارك تميل إليه فان سبقت القوم فهو كما تريد فاخذ ذات اليسار، فما كان بأسرع من أن طلعت هوادي الخيل فتبيناها فعدلنا عنهم، فلما رأونا عدلنا عدلوا معنا كان أسنتهم اليعاسيب وكأن راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم اليه، وأمر الحسين بابنيته فضربت وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله في حر الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم، فقال الحسين لفتياته: اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا فاقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوها عن آخرها. وكانت ملاقاة الحر للحسين على مرحلتين من الكوفة.
ولما التقى الحر مع الحسين عليه السلام، قال له الحسين: ألنا أم علينا؟
فقال: بل عليك يا أبا عبد الله! فقال الحسين: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتى حضرت صلاة الظهر، فامر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي وكان معه أن يؤذن فاذن فلما حضرت الإقامة خرج الحسين عليه السلام في ازار ورداء ونعلين فخطبهم وقال من جملة خطبته: اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم أن اقدم علينا لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق فان كنتم على ذلك فقد جئتكم وان كنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه، فسكتوا، فقال للمؤذن: أقم فأقام الصلاة فقال للحر: أتريد ان تصلي بأصحابك؟ قال: لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك، فصلى بهم الحسين عليه السلام، ثم دخل مضربه واجتمع اليه أصحابه، ودخل الحر خيمة نصبت له واجتمع عليه جماعة من أصحابه وعاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها، فلما كان وقت العصر امر الحسين عليه السلام ان يتهيأوا للرحيل ففعلوا، ثم أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين عليه السلام وقام فصلى ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه وخطبهم وقال في جملة كلامه: ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وان أبيتم الا الكراهية لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم. فقال له الحر:
أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي، فاخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه. فقال له الحر: انا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ان لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله. فقال له الحسين عليه السلام: الموت أدنى إليك من ذلك، ثم قال لأصحابه: قوموا فاركبوا فركبوا وانتظر هو حتى ركبت نساؤه، فقال لأصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين (ع) للحر:
ثكلتك أمك ما تريد؟ فقال له الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل الا بأحسن ما يقدر عليه، فقال له الحسين عليه السلام: فما تريد؟ قال: أريد أن انطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد. فقال إذن والله لا أتبعك، فقال إذن والله لا أدعك، فترادا القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر: اني لم أؤمر بقتالك انما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب إلى يزيد ان شئت أو إلى ابن زياد ان شئت فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشئ من أمرك، فخذها هنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية. فتياسر الحسين عليه السلام وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا وسار والحر يسايره. فقال له الحر: اني أذكرك الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى. فقال له الحسين عليه السلام: أفبالموت تخوفني؟ وهل يعدو بكم