الخطب ان تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك! ولكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخوفه ابن عمه وقال أين تذهب فإنك مقتول؟ فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما (وآسى) وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وودع مجرما أقدم نفسي لا أريد بقاءها * لتلقى خميسا في الوغى وعرمرما فان عشت لم أندم وان مت لم ألم * كفى بك ذلا أن تعيش وترغما (1) فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه وجعل يسير ناحية عن الحسين (ع) حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة لنصرة الحسين ومعهم دليلهم الطرماح، فاتوا إلى الحسين وسلموا عليه، فاقبل الحر وقال: ان هؤلاء النفر الذين جاءوا من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك وانا حابسهم أو رادهم. فقال الحسين (ع): لأمنعهم مما أمنع منه نفسي! انما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ان لا تعرض لي بشئ حتى يأتيك جواب عبيد الله؟ فقال: اجل لكن لم يأتوا معك.
قال: هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي فان بقيت على ما كان بيني وبينك والا ناجزتك. فكف عنهم الحر. ولم يزل الحسين (ع) سائرا حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل ثم ارتحل من قصر بني مقاتل، فاخذ يتياسر بأصحابه فيأتيه الحر فيرده وأصحابه، فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه وارتفعوا، فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى، فإذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة، فوقفوا ينتظرونه جميعا فلما انتهى إليهم سلم على الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين عليه السلام وأصحابه فإذا هو مالك بن النسر الكندي، فدفع إلى الحر كتابا من عبيد الله فإذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزلنه الا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام. فلما قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين (ع) ومعه الرسول فقال:
هذا كتاب الأمير يأمرني ان أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله قد أمره ان لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره وأخذهم بالنزول في ذلك المكان فقال له الحسين دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه - يعني نينوى والغاضرية - أو هذه - يعني شفية - قال لا والله لا أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث علي عينا ثم إن الحسين (ع) قام وركب وكلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه تارة أخرى حتى بلغ كربلاء: قال أبو مخنف: لما اجتمعت الجيوش بكربلاء لقتال الحسين (ع) جعل ابن سعد على كل ربع من الأرباع أميرا، فكان على تميم وهمدان الحر بن يزيد فشهد هؤلاء الامراء الذين جعلهم كلهم قتال الحسين (ع) الا الحر فإنه عدل اليه وقتل معه.
مقتل الحر رضوان الله عليه ثم إن ابن سعد جاء لقتال الحسين (ع) بأربعة آلاف وانضم اليه الحر وأصحابه فصار في خمسة آلاف، قال أبو مخنف وغيره: ثم إن الحر لما زحف عمر بن سعد بالجيوش قال: أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال عمر: أي والله قتالا أيسره ان تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي قال الحر: أفما لك في واحدة من الخصال التي عرض عليك رضا؟ فقال: أما والله لو كان الأمر إلي لفعلت، ولكن أميرك قد أبى فاقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال قرة بن قيس الرياحي، فقال له: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال لا! قال فما تريد أن تسقيه؟ قال: فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال وكره ان أراه حين يصنع ذلك فيخاف ان ارفعه عليه، فقلت انا منطلق فأسقيه، فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه، فوالله لو أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين (ع). فاخذ الحر يدنو من الحسين قليلا قليلا، فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أتريد ان تحمل فلم يجبه وأخذه مثل العرواء (2)، وفي رواية مثل الافكل (3)، فقال له المهاجر:
ان أمرك لمريب! وما رأيت منك في موقف قط مثل شئ أراه الآن؟ ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟ فقال الحر: اني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت، ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين (ع) ويده على رأسه وهو يقول: اللهم إليك أنيب فتب على فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك، فلما دنا منهم قلب ترسه (4) فقالوا: مستأمن، حتى إذا عرفوه سلم على الحسين وقال: جعلني الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان! والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ابدا ولا يبلغون منك هذه المنزلة فقلت في نفسي: لا أبالي أن أصانع القوم في بعض أمرهم ولا يظنون اني خرجت من طاعتهم واما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، والله لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، واني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك، فهل ترى لي من توبة؟
قال: نعم! يتوب الله عليك ويغفر لك فانزل. قال: أنا لك فارسا خير مني راجلا أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول ما يصير آخر أمري قال:
فاصنع يرحمك الله ما بدا لك. فتقدم الحر أمام أصحابه ثم قال: أيها القوم! ألا تقبلون من الحسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟ فقال عمر: لقد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلا. فقال: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل (5) والعبر (6)! دعوتم ابن رسول الله (وفي رواية): أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم انكم قاتلو أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري، فها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في دينه لا سقاكم الله يوم الظمأ ان لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه. فحملت عليه الرجال ترميه بالنبل، فرجع حتى وقف امام الحسين (ع) وقال الحر للحسين (ع): فإذا كنت أول من خرج عليك فائذن لي