لا كعب أسفل موضعا من كعبه * مع أنه عن كل كعب عالي سام كان العز يجذب ضبعه * وسموه من ذلة وسفال متفرع أبدا وليس بفارع * من لا سبيل له إلى الاشغال منها وهو يذكر الاسلام:
ألبسته أيامك الغر التي * أيام غيرك عندهن ليالي قال الشريف المرتضى رضي الله عنه في الغرر والدرر المعروف بالأمالي بعد ذكر الأبيات السبعة التي أولها (لما قضى) وآخرها (متفرغ) من عجيب الأمور ان أبا العباس أحمد بن عبد الله بن عمار ينشد هذه الأبيات المفرطة في الحس في جملة مقابح أبي تمام وما خرجه بزعمه من سقطه وغلطه ويقول في عقبها ولم نسمع في شعر وصف فيه مصلوب باغث من هذا الوصف، وأين كان عن مثل قول إبراهيم بن المهدي يصف صلب بابك في قصيدة يمدح بها المعتصم:
ما زال يعنف بالنعمى فنفرها * عند الغموط ووافته الاراصيد حتى علا حيث لا ينحط مجتمعا * كما علا أبدا ما أورق العود يا بقعة ضربت فيها علاوته * وعنقه وذوت أغصانه الميد بوركت أرضا و أوطانا مباركة * ما عنك في الأرض للتقديس تعميد لو تقدر الأرض حجتك البلاد فلا * يبقى على الأرض إلا حج جلمود لم يبك إبليس الا حين أبصره * في زيه وهو فوق الفيل مصفود كناقة النحر تزهى تحت زينتها * وحد شفرتها للنحر محدود ما كان أحسن قول الناس يومئذ * أيوم بابك هذا أم هو العيد صيرت جثته جيدا لباسقة * جرداء والرأس منه ما له جيد فاض يلعب هوج العاصفات به * على الطريق صليبا طرفه عود كأنه شلو كبش والهواء له * تنور شاوية والجذع سفود قال المرتضى: وهكذا ينبغي ان يطعن على أبيات أبي تمام من يستجيد هذه الأبيات ويفرط في تقريظها وليت من جهل شيئا عدل عن الخوض فيه والكلام عليه، فكان ذلك أستر عليه وأولى به وأبيات أبي تمام في نهاية القوة وجودة المعاني والألفاظ وسلامة السبك واطراد النسج وأبيات ابن المهدي مضطربة الألفاظ مختلفة النسج متفاوتة الكلام وما فيها شئ يجوز ان توضع اليد عليه الا قوله.
حتى علا حيث لا ينحط مجتمعا * كما علا أبدا ما أورق العود وبعده البيت الأخير وان كان بارد الألفاظ (اه) ومن مختار شعره قصيدته التي مدح بها المعتصم عند فتح عمورية وهي مدينة ببلاد الروم وكان اخبره المنجمون انها لا تفتح فغزاها وفتحها وأسر باطسا أو ناطسا بطريقها الأكبر. وكان السبب في ذلك على ما ذكره ابن الأثير ان بابك لما ضيق عليه الأفشين كتب إلى ملك الروم ان المعتصم وجه عساكره اليه ويطمعه بالخروج اليه فخرج ملك الروم في مائة ألف فبلغ زبطرة فقتل الرجال وسبى الذرية فبلغ المعتصم ذلك فاستعظمه وبلغه ان امرأة هاشمية صاحت وهي أسيرة في أيدي الروم وا معتصماه فأجابها وهو جالس على سريره لبيك لبيك ونهض من ساعته وسأل أي بلاد الروم أمنع وأحصن فقيل عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الاسلام فسار حتى فتحها فقال أبو تمام قصيدة يمدحه ويذكر كذب المنجمين وفتح عمورية وهي نحو من سبعين بيتا ويقال انه اجازه على كل بيت منها بألف درهم وأولها السيف أصدق أنباء من الكتب * في حده الحد بين الجد واللعب بيض الصفائح لا سود الصحائف في * متونهن جلاء الشك والريب والعلم في شهب الأرماح لامعة * بين الخميسين لا في السبعة الشهب أين الرواية بل أين النجوم وما * صاغوه من زخرف فيها ومن كذب تخرصا وأحاديثا ملفقة * ليست بنبع إذا عدت ولا غرب (1) عجائبا زعموا الأيام مجفلة * عنهن في صفر الأصفار أو رجب وخوفوا الناس من دهياء مظلمة * إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب وصيروا الأبرج العليا مرتبة * ما كان منقلبا أو غير منقلب يقضون بالأمر عنها وهي غافلة * ما دار في فلك منها وفي قطب لو بينت قط امرا قبل موقعه * لم يخف ما حل بالأوثان والصلب فتح الفتوح تعالى ان يحيط به * نظم من الشعر أو نثر من الخطب فتح تفتح أبواب السماء له * وتبرز الأرض في أثوابها (ابرادها) القشب يا يوم وقعة عمورية انصرفت * عنك المنى حفلا معسولة الحلب أبقيت جد بني الاسلام في صعد * والمشركين ودار الشرك في صبب أم لهم لو رجوا ان تفتدى جعلوا * فداءها كل أم برة (منهم) وأب وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها * كسرى وصدت صدودا عن أبي كرب (2) من عهد إسكندر أو قبل ذلك قد * شابت نواصي الليالي وهي لم تشب بكر فما افترعتها كف حادثة * ولا ترقت إليها همة النوب جرى لها الفال نحسا يوم أنقرة * إذ غودرت وحشة الساحات والرحب لما رأت أختها بالأمس قد خربت * كان الخراب لها اعدى من الجرب لقد تركت أمير المؤمنين بها * للنار يوما وكيل الصخر والخشب فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت * والشمس واجبة من ذا ولم تجب غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى * يشله وسطها صبح من اللهب حتى كأن جلابيب الدجى رغبت * عن لونها وكأن الشمس لم تغب ضوء من النار والظلماء عاكفة * وظلمة من دخان في ضحى شجب ما ربع ميتة معمورا يطيف به * غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب (3) ولا الخدود ولو أدمين من خجل * أشهى إلى ناظر من خدها الترب سماجة غنيت منها العيون بها * عن كل حسن بدا أو منظر عجب وحسن منقلب تبدو (تبقي) عواقبه * جاءت بشاشته عن سوء منقلب تدبير معتصم بالله منتقم * لله مرتقب في الله مرتهب (مرتغب) ومطعم النصل لم تسكن أسنته * يوما ولا حجبت عن روح محتجب لم يغز (يرم) قوما ولم ينهض (ينهد) إلى بلد * الا تقدمه جيش من الرعب لو لم يقد جحفلا يوم الوغى لغدا * من نفسه وحدها في جحفل لجب رمى بك الله برجيها فهدمها * ولو رمى بك غير الله لم يصب أمانيا سلبتهم نجح هاجسها * ظبي السيوف وأطراف القنا السلب ان الحمامين من بيض ومن سمر * دلو الحياتين من ماء ومن عشب لبيت صوتا زبطريا (4) هرقت له * كأس الكرى ورضاب الخرد العرب أجبته معلنا بالسيف منصلتا * ولو أجبت بغير السيف لم تجب لما رأى الحرب رأى العين توفلس * والحرب مشتقة المعنى من الحرب