ونسب إلى الكفر وعبادة الأصنام، فقبض عليه قبل قدوم مازيار إلى سامراء بيوم، فأقر مازيار على الأفشين أنه بعثه على العصيان لمذهب كانوا اتفقوا عليه من مذاهب الثنوية والمجوس، فقتل الأفشين وقيل مات في الحبس وصلب ثم أحرق. وقد ذكر أبو تمام الأفشين في غير موضع من شعره فمنه قوله:
كانت لنا صنما نحنو عليه ولم * نسجد كما سجد الأفشين للصنم وقصيدة أبي تمام في قتل الأفشين ومازيار وبابك وباطس وصلبهم هي هذه.
الحق أبلج والسيوف عواري * فحذار من أسد العرين حذار جالت بخيذر جولة المقدار * فأحله الطغيان دار بوار كم نعمة لله كانت عنده * فكأنها في غربة وإسار كسيت سبائب لؤمه فتضاءلت * كتضاؤل الحسناء في الأطمار موتورة طلب الإلاه بثارها * وكفى برب الثأر مدرك ثار صادى أمير المؤمنين بزبرج * في طيه حمة الشجاع الضاري مكرا بنى ركنية إلا أنه * وطد الأساس على شفير هار حتى إذا ما الله شق غباره * عن مستكن الكفر والاصرار ونحا لهذا الدين شفرته انثنى * والحق منه قانئ الأظفار ثم اعتذر عن تقريب المعتصم له مع نفاقه بقوله:
هذا النبي وكان صفوة ربه * من بين باد في الأنام وقاري قد خص من أهل النفاق عصابة * وهم أشد أذى من الكفار واختار من سعد لعين بني أبي * سرح لوحي الله غير خيار هو سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ارتد.
حتى استضاء بشعلة السور التي * رفعت له سجفا عن الأسرار والهاشميون استقلت عيرهم * من كربلاء بأوثق الأوتار فشفاهم المختار منه ولم يكن * في دينه المختار بالمختار حتى إذا انكشفت سرائره اغتدوا * منه براء السمع والأبصار ثم عاد إلى ذكر الأفشين فقال:
ما زال سر الكفر بين ضلوعه * حتى اصطلى سر الزناد الواري (1) نارا يساور جسمه من حرها لهب كما عصفرت نصف (شق) إزار (2) طارت لها شعل يهدم لفحها * أركانه هدما بغير غبار فصلن منه كل مجمع مفصل * وفعلن فاقرة بكل فقار قال أبو بكر الصولي في كتاب أخبار أبي تمام إنما قال وفعلن فخص هذه اللفظة لقول الله جل وعز (تظن أن يفعل بها فاقرة) ولقول الناس فعل به الفواقر أي الدواهي.
مشبوبة رفعت لأعظم مشرك * ما كان يرفع ضوؤها للساري صلى لها حيا وكان وقودها * ميتا ويدخلها مع الفجار رمقوا أعالي جذعه فكأنما * وجدوا الهلال عشية الافطار وتحدثوا عن هلكه كحديث من * بالبدو عن متتابع الأمطار وتباشروا كتباشر الحرمين في * قحم السنين بأرخص الأسعار قد كان بوأه الخليفة جانبا * من قلبه حرما على الاقدار ورأى به ما لم يكن يوما رأى * عمرو بن شاس قبله بعرار فإذا ابن كافرة يسر بكفره * وجدا كوجد فرزدق بنوار وإذا تذكره بكاه كما بكى * كعب زمان رثى أبا المغوار يا قابضا يد آل كاوس عادلا * أتبع يمينا منهم بيسار واعلم بأنك إنما تلقيهم * في بعض ما حفروا من الآبار لو لم يكد للسامري قبيله * ما خار عجلهم بغير خوار قال المسعودي صلب مازيار إلى جانب بابك ومالت خشبة مازيار إلى خشبة بابك فتدانت أجسامهما، وقد كان صلب في ذلك الموضع باطس أو ناطس بطريق عمورية وقد انحنت نحوهما خشبته ففي ذلك يقول أبو تمام.
ولقد شفى الأحشاء من برحائها * أن صار بابك جار مازيار ثانيه في كبد السماء ولم يكن * لاثنين ثالثا إذ هما في الغار فكأنما انحنيا لكيما يطويا * عن باطس خبرا من الاخبار سود اللباس كأنما نسجت لهم * أيدي السموم مدارعا من قار بكروا وأسروا في متون ضوامر * قيدت لهم من مربط النجار لا يبرحون ومن رآهم خالهم * أبدا على سفر من الاسفار ثم حثه على البيعة للواثق وجعله ختام القصيدة فقال:
فاشدد بهارون الخلافة إنه * سكن لوحشتها ودار قرار بفتى بني العباس والقمر الذي * حفته أنجم يعرب ونزار كرم الخؤولة والعمومة مجه * سلفا قريش فيه و الأنصار هو نوء يمن فيهم وسعادة * وسراج ليل فيهم ونهار فاقمع شياطين النفاق بمهتد * ترضى البرية هديه والباري ليسير في الآفاق سيرة رأفة * ويسوسها بسكينة ووقار فالصين منظوم بأندلس إلى * حيطان رومية فملك ذمار ولقد علمت بأن ذلك معصم * ما كنت تتركه بغير سوار فالأرض دار أقفرت ما لم يكن * من هاشم رب لتلك الدار سور القرآن الغر فيكم أنزلت * ولكم تصاع محاسن الاشعار وقال يمدح المعتصم ويذكر قتل بابك وصلبه من قصيدة أولها:
آلت أمور الشرك شر مآل * وأقر بعد تخمظ وصيال غضب الخليفة للخلافة غضبة * رخصت لها المهجات وهي غوالي فلأذربيجان اختيال بعدما * كانت معرس عبرة ونكال أطلقتها من كيده وكأنما * كانت له معقولة بعقال يا يوم أرشق كنت رشق منية * للخرمية صائب الآجال أسرى بنو الاسلام فيه وأدلجوا * بقلوب أسد في صدور رجال يحملن كل مدجج سمر القنا * باهابه أولى من السربال خلط الشجاعة بالحياء فأصبحا * كالحسن شيب لمغرم بدلال يوم أضاء به الزمان وفتحت * فيه الأسنة زهرة الآمال منها في بابك:
لما قضى رمضان فيه قضاءه * شالت به الأيام في شوال ما زال مفلول العزائم سادرا * حتى غدا في القيد والاغلال متلبسا للموت طوقا من دم * لما استبان فظاظة الخلخال أهدى لمتن الجذع متنيه كذا * من عاف متن الأسمر العسال