قضية من أحكام العقل، يكون موضوعها التكليف، ومحمولها الامكان، بمعنى أن العقل يحكم بأن التكليف الصادر عن المولى متعلقا بالمكلف المميز القادر ممكن، وغير هذا القسم من التكليف غير ممكن، فالقدرة والتميز ليسا من شرائط وجود التكليف، بل هما قيدان له بما أنه يكون موضوعا لحكم العقل عليه بالامكان، وكما يجوز أن يكون قيد الموضوع في قضية مقارنا له بحسب الوجود، يجوز أيضا أن يكون متأخرا عنه أو متقدما عليه، إذ الفرض أنه ليس من أجزأ العلة لوجود الموضوع حتى يجب تقارنه له، بل من قيوده بما هو موضوع لما حكم عليه في القضية.
والحاصل: أن هذه الشروط ليست بشرائط لوجود التكليف، بل لامكانه الذي هو من الاعتبارات العقلية [1] وحينئذ فأين انخرام القاعدة العقلية مع أن موردها على فرض تسلمها أجزأ علة الوجود؟ هذا في شرائط التكليف.
وأما في شرائط المكلف به فهي على قسمين:
القسم الأول:
ما يكون قيدا للمأمور به بما هو مأمور به بنحو يكون التقيد داخلا و القيد خارجا، وهذا إنما يتصور فيما إذا كانت ذات المأمور به شيئا يحصل ويتحقق بدون هذا القيد أيضا، ولكن لم يكن بإطلاقه مأمورا به بل أمر به مقيدا بهذا القيد، سواء كان مقارنا له أو متقدما عليه أو متأخرا عنه، وذلك كالصلاة مثلا إن قلنا بأنها شي يتحقق ويوجد بنفس أجزائها، ولو كانت فاقدة لشرائطها: من الوضوء والغسل و نحوهما، ولكن الشارع لم يأمر بها بإطلاقها بل حال كونها مقيدة بأشياء: من الوضوء والغسل وأمثالهما.
[1] لقائل أن يقول: إنا لا نتعقل دخالة مثل القدرة وأمثالها في إمكان التكليف فان التكليف بذاته موضوع لحكم العقل عليه بالامكان الذاتي، لا أنه يكون ممتنعا ذاتا إلا في حال تحقق الشرائط المذكورة.
نعم، يمكن أن يقال:
بعدم تمشي إرادة البعث من الامر العاقل، فيما إذا لم توجد شرائط التكليف، ولكن أين هذا من الامتناع الذاتي؟ فإن المجنون مثلا يمكن أن يأمر جدا مع عدم قدرة المكلف.
اللهم إلا أن يقال: إن المجنون أيضا يتخيل قدره المكلف ويأمره، لا أنه يلتفت إلى عدم القدرة ومع ذلك يأمر.
والأولى أن يبدل كلمة الامكان بالحسن، بأن يقال: إن العقل لا يحكم بحسن التكليف إلا إذا كان المكلف قادرا مثلا، فمثل القدرة قيد للموضوع في قضية من محكومات العقل، يكون موضوعها التكليف و محمولها الحسن.
ثم اعلم: أن ما ذكره سيدنا الأستاذ الأكبر (مد ظله) إنما هو في الشرائط العقلية للتكليف، لعدم جريانه في الشرائط الشرعية الثابتة له، كالاستطاعة في الحج مثلا، فإنها ليست دخيلة في إمكان التكليف بالحج ح - ع - م.