المضطر أيضا فرد من الصلاة المأمور بها بقوله: (أقيموا الصلاة)، لا انه ليس فردا منها وجعل بدلا منها، فانظر إلى قوله تعالى في سورة المائدة آية: 6، حتى يظهر لك صحة ما قلناه. قال تبارك اسمه: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) إلى أن قال: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) الآية.
فالآية سيقت لبيان ما به تحصل الطهارة، التي هي من شرائط طبيعة الصلاة، التي أمر بها كل واحد من أفراد الناس. وقد بين فيها اختلاف ما هو المحصل لها باختلاف حالات المكلفين. فصلاة واجد الماء وفاقده كلتاهما من أفراد طبيعة الصلاة، إلا أنها بالنسبة إلى الأول مشروطة بالطهارة المائية، وبالنسبة إلى الثاني مشروطة بالطهارة الترابية (واللام) في قوله: (إذا قمتم إلى الصلاة) قد أشير بها إلى تلك الطبيعة المعدة من ضروريات الدين، المكلف بها كل واحد من أفراد الناس.
ونظير هذه الآية، آية: 238 - 239 من سورة البقرة قال عز من قائل:
(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين. فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون).
والحاصل: أن كل واحد من المكلفين من المختار والمضطر بأقسامه لم يكلف إلا بإيجاد طبيعة الصلاة، وإذا أوجدها سقط الامر المتعلق بها قهرا، إلا أن الطبيعة المأمور بها طبيعة مجهولة لا تتعين إلا بتعيين شارعها، وقد قامت الأدلة الشرعية على أن صلاة المختار هكذا، و صلاة المضطر هكذا، وما وجب على كل مكلف إنما هو إتيان ما هو فرد للصلاة بحسب حاله، وبإتيانه يسقط الامر بالصلاة قهرا، ولم يتوجه إلى المضطر أمران حتى يقع البحث في كفاية امتثال أحدهما عن الاخر [1] ولو فرض أن المتوجه إليه أمران فالاجزاء غير متصور لاقتضاء كل أمر امتثالا على حدة.
نعم يمكن أن يكون الموضوع لفردية الصلاة الاضطرارية هو الاضطرار في جميع الوقت، [1] ربما يقال: إن الأدلة الدالة على التكاليف الاضطرارية لا تقيد الأدلة الدالة على التكاليف الأولية بأن تخصها بصورة الاختيار، لعدم المنافاة بينهما، لامكان أن يكون المضطر مكلفا بتكليفين وإن كانا متعلقين بفردين من طبيعة واحدة.
غاية الأمر: إنه لما كانت القدرة من الشرائط العقلية لفعلية التكاليف، كان التكليف الأولي بالنسبة إلى المضطر في زمن اضطراره غير فعلى، فإذا ارتفع الاضطرار ارتفع مانع الفعلية فأثر التكليف الأولى أثره.
ح - ع - م.