فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٤ - الصفحة ٥٠٦
التوصيف دخل في الحكم إلا أن ذلك يتوقف على التصريح به، وإلا فالموضوع المركب من العرض ومحله يقتضي أن يكون لعنوان التوصيف وحيثية قيام العرض بالمحل دخل في الحكم (1).
(١) أقول: لا إشكال في أن تقيد موصوف بوصف يقتضي توصيفه به الذي هو عبارة أخرى عن قيامه بموصوفه، ولا إشكال أيضا في أن هذا القيام المأخوذ في موضوع الأثر في عالم ثبوته خارجا منوط بوجود موضوعه خارجا، وأما في مقام سلبه عنه لا يحتاج إلى وجود موضوعه خارجا، بل يكفي فيه سلبه عن الموصوف بالسلب المحصل، لان ما هو نقيض اتصاف الذات بوصفه هو سلب هنا الاتصاف، لا الاتصاف بالسلب، ولذا نقول: إن نقيض الموجبة السالبة المحصلة، لا المعدولة، ولا نعني من السالبة المحصلة إلا القضية المشتملة على نسبة سلبية بين الموصوف ووصفه، وهو غير نسبة أمر سلبي إلى الذات الذي هو مفاد المعدولة، ففي الحقيقة مرجع النسبة الايجابية والسلبية إلى النسبة بين الشيئين بالوصل والفصل، فمرجع ليس الناقصة إلى مثل هذه النسبة السلبية، لا إلى نسبة أمر سلبي، كيف! ونقيض كل شئ رفعه، ورفع إثبات شئ لشئ هو سلب هذا الشئ عن الشئ، وهذا السلب مرجعه في مفاد القضية إلى نسبة سلبية بين الموضوع ومحموله، لا نسبة أمر سلبي إلى شئ، ولذا قلنا: بأن نقيض اتصاف شئ بشئ، هو عدم اتصافه، لا اتصافه بعدم ذاك الشئ، كي يقتضي هذا الاتصاف وجود موضوعه، وتمام مركز البحث من هنا.
بل ولئن سلمنا بأن مفاد السالبة الناقصة هو اتصاف الذات بأمر سلبي، نقول: إن اتصاف شئ بشئ إذا كان مأخوذا في موضوع الأثر في القضية الايجابية، فيكفي في إثبات نفي أثره استصحاب نقيض هذا الاتصاف ولو بنحو مفاد كان التامة بلا احتياج إلى مفاد كان الناقصة. نعم: لو احتيج في الاستصحاب كون مصبه مأخوذا في لسان الدليل إيجابا وسلبا، فلك أن تقول: إن المأخوذ في الدليل في القضايا السالبة العدم المحمولي، وهو لا يكون إلا منوطا بوجود موضوعه. ولكن أنى لك باثبات ذلك!
علاوة على ما تقدم: من منع كون مفاد السلب المحصل - الذي هو مفاد ليس الناقصة - هو ربط أمر سلبي لموضوعه، بل مفاده مجرد ربط سلبي صادق مع وجود الموضوع وعدمه، فتدبر.
وببالي أنه جعل من مقدمات مدعاه - فيما كتبه في اللباس المشكوك - إرجاع القضايا السالبة لبا إلى المعدولة، بخيال أن طرف الربط الذي هو مقوم القضايا إما سلب أو إيجاب ولا يتصور شق ثالث، فلا جرم يكون مفاد السالبة حمل العدم النعتي على الموضوع الملازم لاتصافه بالعدم النعتي، كاتصاف الذات في الموجبة بالوجود النعتي القائم بغيره. ولقد أوردنا عليه - في رسالتنا - أيضا بما لا مزيد عليه، وأشرنا هنا أيضا بأن طرف الربط في الايجابية شئ واحد، وهو ذات الوصف، وإنما الايجاب والسلب من شؤون النسبة: من كونها ربطا ايجابيا تارة وربطا سلبيا أخرى، نظير الفصل والوصل: من كونهما ربطين متقابلين. وحينئذ فلا يقتضي القضية السالبة المحصلة - التي هي مفاد ليس الناقصة - إلا سلب اتصاف الذات بالوصف لا الاتصاف بسلب الوصف، كما هو ظاهر، وما يمتنع عن استصحاب الاعدام الأزلية هو الثاني لا الأول، كما لا يخفى.
وتوهم: أن النسبة ولو سلبية يقتضي وجود الموضوع خارجا، ممنوع أشد المنع، إذ في النسب الايجابية بعدما كانت حاكية عن وقوع الاتصاف بالوصف الذي هو لازم وجود الموصوف يقتضي وجوده عقلا، وهذا بخلافه في القضية السلبية ونسبتها، إذ لا يقتضي مثل هذه النسبة وجود شئ خارجا.
والسر فيه: هو أن وقوع هذا السلب خارجا ليس إلا عين نقيض الاثبات خارجا، ومن المعلوم: أن نقيض كل معلول كما أنه بعدم نفسه كذلك أيضا بعدم علته، كما هو الشأن في جميع المعروضات بالنسبة إلى عوارضها، غاية الامر هذا العدم قائم بذات الشئ، وفي المقام أيضا هذه النسبة السلبية قائمة بذات الموضوع كقيامه بذات المحمول، وإن كان بينهما فرق من جهة أن النسبة السلبية دائما يلازم في الخارج عدم المحمول، بخلافه في طرف الموضوع، فإنه لا يلازم عدمه، بل يجتمع مع وجوده تارة ومع عدمه أخرى (والله العالم).