بذلك التقرب إليه سبحانه مراعين حرمته زيادة على غيره من الشهور ولم يقع التكليف من الشارع بأزيد من هذا.
وإني لأعلم علما لا يخالجه الظن أن جميع هذه الأبحاث والمقالات والتدقيقات التي ذكروها لم تخطر بخاطر أحد من الصحابة زمنه صلى الله عليه وآله ولا زمن أحد من الأئمة (عليهم السلام) مع أنه لا ريب في صحة صومهم، على أنها من ما لم يقم عليها دليل شرعي.
والأنسب بقواعد الشريعة المحمدية وسعتها الواضحة الجلية هو جعل ذلك من قبيل ما ورد من السكوت عن ما سكت الله عنه وابهام ما أبهمه:
فروى الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) في كتاب المجالس بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام (1) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله تعالى حد لكم حدودا فلا تعتدوها وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها وسن لكم سننا فاتبعوها وحرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها وعفا لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فلا تتكلفوها ".
وروى في كتاب عوالي اللئالي عن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام (2) " أن عليا عليه السلام كأن يقول: أبهموا ما أبهم الله ".
وروى الصدوق في الفقيه (3) من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال:
" إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها.. الحديث ".
ومن أراد مزيد تحقيق لما ذكرناه من هذا الكلام فليرجع إلى شرحنا على كتاب مدارك الأحكام وما قدمناه في كتاب الطهارة من هذا الكتاب.