وأن مخالفتهم في ذلك أنما وقع عنادا واستكبارا لقيام الأدلة عليهم في ذلك وسطوع البراهين فيما هنالك لديهم، لأن الجحود والانكار إنما يطلقان في مقام المخالفة بعد ظهور البرهان كما صرح به علماء اللغة الذين إليهم المرجع في هذا الشأن. وبذلك يظهر ما في جواب شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني حيث إنه ممن تبع المشهور بين المتأخرين في الحكم باسلام المخالفين، فإنه أجاب عن اطلاق الكفر عليهم في الأخبار بالحمل على الكفر الحقيقي وإن كانوا مسلمين ظاهرا فهم مسلمون ظاهرا فتجري عليهم أحكام الاسلام من الطهارة وجواز المناكحة وحقن المال والدم والموارثة ونحو ذلك وكفار حقيقة وواقعا فيخلدون في النار يوم القيامة، ثم احتمل حمل كفرهم على أحد معاني الكفر وهو كفر الترك فكفرهم بمعنى ترك ما أمر الله تعالى به كما ورد " أن تارك الصلاة كافر " (1) و " تارك الزكاة كافر " (2) و " تارك الحج كافر " (3) و " مرتكب الكبائر كافر " (4). وفيه أن ما ذكره من الكفر بالمعنى الأول من أنهم مسلمون ظاهرا وكفار حقيقة بمعنى اجتماع الكفر والإسلام بهذين المعنيين لم يقم عليه دليل في غير المنافقين في وقته (صلى الله عليه وآله) وانكاره بمجرد دعوى الاسلام لأولئك المخالفين أول البحث، ومن المعلوم أن المتبادر من اطلاق الكفر حيث يذكر إنما هو ما يكون مباينا للاسلام ومضادا له في الأحكام إذ هو المعنى الحقيقي للفظ، وهكذا كل لفظ أطلق فإنما يحمل على معناه الحقيقي إلا أن يصرف عنه صارف ولا صارف هنا إلا مجرد هذه الدعوى وهي ممنوعة بل هي أول البحث لعدم الدليل عليها بل قيام الأدلة المتعاضدة في دفعها وبطلانها كما أوضحناه في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب
(١٨٤)