فنهض سيف الدولة ومعه ابن عمه أبو فراس حتى أوقع بهم وعليهم يومئذ الندى بن جعفر ومحمد بن يزيع العقيليان، من آل المهنأ فهزمهم وقتل وجوههم واتبع فلولهم وقدم أبا فراس في قطعة من الجيش يتبعهم ويقتل ويأسر فلم ينج منهم الا من سبق به فرسه واتبعهم سيف الدولة وأبو فراس حتى ألحقوهم بالسماوة. وانكفأ سيف الدولة إلى بني نمير وهي بالجزيرة فوجدها خاضعة ذليلة تعطي الرضا وتنزل على الحكم فصفح عنهم وأحلهم بالجزيرة فقال أبو فراس من قصيدة يذكر الحال والمنازل ويصف مواقفه فيها وكان قد حسن بلاؤه في تلك الوقعة. وهي من غرر شعره:
أبت عبراته الا انسكابا * ونار ضلوعه الا التهابا ومن حق الطلول علي ان لا * أغب من الدموع لها سحابا وما قصرت عن تسآل ربع * ولكني سألت فما اجابا رأيت الشيب لاح فقلت اهلا * وودعت الغواية والشبابا وما ان شبت من كبر ولكن * لقيت من الأحبة ما أشابا بعثن من الهموم إلي ركبا * وصيرن الصدود له ركابا ألم ترنا أعز الناس جارا * وأمنعهم وأمرعهم جنابا لنا الجبل المطل على نزار * حللنا النجد منه والهضابا يفضلنا الأنام ولا نحاشى * ونوصف بالجميل ولا نحابى وقد علمت ربيعة بل نزار * بأنا الرأس والناس الذنابى ولما ان طغت سفهاء كعب * فتحنا بيننا للحرب بابا منحناها الحرائب (1) غير أنا * إذا جارت منحناها الحرابا ولما ثار سيف الدين ثرنا * كما هيجت آسادا غضابا أسنته إذا لاقى طعانا * صوارمه إذا لاقى ضرابا دعانا والأسنة مشرعات * فكنا عند دعوته الجوابا صنائع فاق صانعها ففاقت * وغرس طاب غارسه فطابا وكنا كالسهام إذا أصابت * مراميها فراميها أصابا عبرن بماسح والليل طفل * وجئن إلى سلمية حين شابا (2) تناهبن الثناء بصبر يوم * به الأرواح تنتهب انتهابا وقاد ندى بن جعفر من عقيل * شعوبا قد أسلن بها الشعابا فما كانوا لنا الا أسارى * وما كانت لنا الا نهابا كان ندى بن جعفر قاد منهم * هدايا لم يرع عنها ثوابا (3) وشدوا رأيهم ببني (4) بزيع * فخابوا لا أبا لهم وخابا فلما اشتدت الهيجاء كنا * أشد مخالبا واحد نابا وامنع جانبا واعز جارا * وأوفى ذمة وأقل عابا قرينا بالسماوة من عقيل * سباع الأرض والطير السغابا وبالصباح والصباح عبد * قتلنا من لبابهم اللبابا تركنا في بيوت بني المهنا * نوادب ينتحبن بها انتحابا وابعدنا لسوء الفعل كعبا * وأدنينا لطاعتها كلابا وسرنا بالخيول إلى نمير * تجاذبنا أعنتها جذابا امام مشيع سمح بنفس * يعز على العشيرة ان يصابا وما ضاقت مذاهبه ولكن * يهاب من الحمية ان يهابا ويأمرنا فنكفيه الأعادي * همام لو يشأ لكفى ونابا فلما أيقنوا ان لا غياث * دعوه للمغوثة فاستجابا وعاد إلى الجميل لهم فعادوا * وقد مدوا لما يهوى الرقابا امر عليهم خوفا وأمنا * أذاقهم به اريا وصابا أحلهم الجزيرة بعد بأس * أخو حلم إذا ملك العقابا ولو شئنا حميناها البوادي * كما تحمي اسود الغاب غابا إذا ما انفذ الامراء جيشا * إلى الأعداء انفذنا كتابا انا ابن الضاربين الهام قدما * إذا كره المحامون الضرابا ألم تعلم ومثلك قال حقا * باني كنت أثقبها شهابا وقال يفتخر من قصيدة:
أنخت وصاحباي بذي طلوح * طلائح شفها وخد القفار ولا ماء سوى نطف الروايا * ولا زاد سوى القنص المثار فلما لاح بعد الأين سلع * ذكرت منازلي وعرفت داري ألم بنا وجنح الليل داج * خيال زار وهنا من نوار أباخلة علي وأنت جار * وواصلة على بعد المزار تلاعب بي على بزل المطايا * خلائق لا تقر على الصغار ونفس دون مطلبها الثريا * وكف دونها فيض البحار أرى نفسي تطالبني بأمر * قليل دون غايته اقتصاري وما يغنيك من همم طوال * إذا اقترنت بأحوال قصار علي لكل هم كل عنس * امون الرحل موخدة القفار وخراج من الغمرات خرق * أبو شبلين محمي الذمار شديد تحيف الأيام واف * على علاته عف الإزار فلا نزلت بي الجيران ان لم * أجاورها مجاورة البحار ولا صحبتني الفرسان ان لم * أصاحبها بمأمون الفرار ولا خافتني الأملاك ان لم * أصبحها بملتف الغبار بجيش لا يخل بهم مغير * ورأي لا يغبهم مغار شددت على الحمامة كور رحل * بعيد حله دون اليسار تحف بي الأسنة والعوالي * ومضمرة المهاري والمهار (5) وتخفق حولي الرايات حمرا * وتتبعني الخضارم من نزار عزيز حيث حط السير رحلي * تداريني الأنام ولا إداري وأهلي من أنخت اليه عيسى * وداري حيث كنت من الديار وقال يفتخر من قصيدة ولا توجد في الديوان المطبوع:
لقد نزحت بالغيد خوص الركائب * وقد غادرتني فرصة للنوائب وما كنت أدري ما جناية بينهم * على القلب حتى جد سير الركائب ومن كان مشغولا بود خريدة * وحث كؤوس أو وصال حبائب فما لي الا البيض والبيض والقنا * وجرد كرام محضرات الجوانب ولا انا وان عند مختلف القنا * ولا بجبان عند زحف الكتائب وقد ألبستني كل حال لباسها * واحكمني طول السرى بالتجارب وعرفني عرف الخطوب ونكرها * تصرف أيام أتت بالعجائب