فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٤ - الصفحة ٣٨٢
والوجوب والامتناع المنتزعة من ذات العلة والممكن والواجب والممتنع بالذات، أو كان انتزاعها من قيام أحد المقولات التسع بمحله كالفوقية والتحتية والقبلية والبعدية الزمانية والمكانية، فان الفوقية ليست من مقتضيات ذات الفوق، بل لأجل قيام خصوصية في الفوق أوجب انتزاع الفوقية منه، وكذا التحتية والقبلية والبعدية ونحوها.
وهذا بخلاف الأمور الاعتبارية، فان لها في نفس الامر نحو تقرر وثبات ويكون لها وجود في الخارج (1) غايته أن تقررها النفس الأمري يتحقق بعين

(١) أقول: إن الوجودات الاعتبارية بعدما كانت قوامها بالاعتبار فينبغي شرح حقيقة الاعتبار، فنقول: إنه لا يكون إلا ما يكون قوام وجوده باللحاظ بحيث لو لم يكن في البين لحاظ لا يكون في البين اعتبار أصلا، ثم بعد لحاظ شئ مطلقا أو منوطا بوجود شئ ما لم يقصد ثبوته مطلقا أو منوطا بشئ بانشاء مفهومه المسمى بجعله لا يكاد يتحقق وجوده في عالمه، فإذا تحقق مثل هذا الجعل يعتبر العقل وجوده، ولكن ليس هذا الوجود موطنه إلا الذهن، لان متعلق اللحاظ والجعل ليس إلا ما يرى في ذهنه، غاية الامر لا بوصف ذهنيته، بل في لحاظه يرى خارجيا، ولكن مجرد ملاحظته كذلك لا يخرجه عن الذهنية إلى الخارجية، وحينئذ جميع الأمور الاعتبارية لا يكون الخارج موطن نفسها، بل إنما موطن مصحح اعتباره من الانشاء اللفظي أو القولي، ولذا نقول: لا واقعية للاعتباريات إلا بواقع مصحح اختراعه: من الانشاء المتقوم باللحاظ، كيف! وربما يكون الامر الاعتباري مثل الملكية قائمة بنفس الكلي بوصف كليته التي لا موطن له إلا الذهن، كما أنه لو فرض في مورد قيامه بأمر خارجي يحصل به إحداث خصوصية خارجية غير متقوم باللحاظ في هذا الشئ. وعليه فما أفيد: من أن الأمور الاعتبارية بنفسها لها وجود خارجي لا نفهم معناه، كيف! ولا يكون المجود الخارجي إلا ما هو موجود في خارج الذهن واللحاظ بحيث لو لم يكن في العالم لاحظ كان الخارج ظرفا لنفسه، مع أنه ليس كذلك جزما، كيف! ولو لم يكن لاحظ أين وجود كلي بوصف كليته معروض ملكية شخص؟ وحينئذ فما أفاد من الفرق بين الأمور الاعتبارية والانتزاعية من هذه الجهة لا معنى له، وإنما الفرق بينهما من جهة أن الاعتباريات تابع جعل وإنشاء وأن الجعل مصحح اعتبارها، وفي الأمور الانتزاعية ليس مصحح الانتزاع جعله، بل هو قهري حاصل في موطنه، وربما يكون الامر الاعتباري منشأ انتزاع مفهومه، كمفهوم الملكية بالنسبة إلى حقيقته، ففي مثله يكون منشأ الانتزاع والمنتزع كلاهما في موطن الذهن، غاية الامر يفترقان بخصوصية المنشأ والمصحح والتعقل الأولي والثانوي، كما لا يخفى.
ثم من التأمل فيما ذكرنا أيضا ظهر لك: أن الملكية ليس من مقولة الجدة الموجبة لاحداث هيئة فيما يحيط بشئ خارجا ولا من الإضافات المقولية الموجبة لاحداث هيئة أخرى لما يناسب به خارجا، كيف! ونرى بالوجدان عدم تغير خصوصية خارجية في عين بحدوث ملكية، بل تمامها نحو خصوصية ذهنية شبيهة بالخارجيات وإن لم يلتفت إلى ذهنيتها، كما لا يخفى.
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»
الفهرست