هجرته:
وفي خضم الأحداث المؤلمة آثر الشيخ الطوسي الهجرة إلى النجف الأشرف حيث مرقد سيد الأبطال أمير المؤمنين علي عليه السلام، ليبقى بعيدا عن المعمعات الطائفية، وليتفرغ للتأليف والتصنيف، يسامر القماطر والمحابر، ويكد في حصر آراء الأكابر وتقييد شواردهم. وأمه الفضلاء للاغتراف من معينه الذي لا ينضب، والتطلع على درايته الصائبة، وقريحته الثاقبة، وهمته العالية، فوضع بذلك اللبنة الأولى لأكبر جامعة علمية إسلامية في النجف الأشرف، وشيد أركانها، فأصبحت ربوع وادي الغري تشع بمظاهر الجلال والكمال، صانها الله من طوارق الحدثان.
* * * مكانته العلمية:
سرى ذكره يطوي المفاوز والحزوم عبر حقب الزمن. فلا تجد صقعا إلا وفيه عبقة فواحة من فضله، وألق من نبله. وإن اليراع لعاجز عن وصفه، والإطراء عليه، ومهما أراد الإنسان الغور والغوص في عظمة هذه الشخصية الفذة، كلما ازداد تعجبا من مواطن عبقريته، ونبوغه الفكري الخلاق، راعى تلعات العلم والمعرفة وجمع أشتات الفنون، وكفاه مدحا أن يلقب (بشيخ الطائفة).
يقول البحاثة الكبير والمتتبع الخبير الشيخ آقا بزرك الطهراني (قدس سره) في مقدمته على التبيان في تفسير القرآن:
" مضت على علماء الشيعة سنون متطاولة، وأجيال متعاقبة، ولم يكن من الهين على أحد منهم أن يعدوا نظريات شيخ الطائفة في الفتاوى، وكانوا يعدون أحاديثه أصلا مسلما ويكتفون بها، ويعدون التأليف في قبالها وإصدار الفتوى