باب واحد فإنها أحكام متلقاة من الشارع فيختص الحكم بالطهارة يقينا حينئذ بما باشر المكلف تطهيره ولم يغب عنه بعد ذلك وإلا لكان مظنون الطهارة أو مرجوحها، مع أن المعلوم من الشرع كما عرفت خلافه فإنه قد حكم بأن الأشياء كلها على يقين الطهارة حتى يعلم المزيل عنها.
ويؤكد ما صرنا إليه في هذا المقام وإن غفل عنه جملة من علمائنا الأعلام ما نقله في المعالم عن السيد المرتضى (رضي الله عنه) وارتضاه جملة ممن تأخر عنه من أن وجوب الحكم على القاضي بعد شهادة العدلين ليس من حيث إنها توجب الظن بل من حيث إن الشارع جعلها سببا لوجوب الحكم على القاضي كما جعل دخول الوقت سببا لوجوب الصلاة. وأيده بعض من تأخر عنه بأنه كثيرا ما لا يحصل الظن بشهادتهما لمعارضة قرينة حالية مع وجوب الحكم على القاضي. انتهى. ومثله يأتي فيما ذكرنا من الأسباب كما لا يخفى على ذوي الألباب.
ومما ذكرناه من هذا التحقيق الرشيق يظهر لك أن أظهر الأقوال هو القول المشهور وأن الخبر المتقدم أعني قوله (عليه السلام): " الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر " ظاهر الانطباق عليه، والتقريب فيه أن المراد بالعلم فيه ما هو المتبادر من اللفظ وهو اليقين والقطع لكن لا بالنظر إلى الواقع ونفس الأمر من حيث هو إذ لا مدخل له كما عرفت في الأحكام الشرعية بل بالنظر إلى الأسباب التي جعلها الشارع مناطا للنجاسة وعلم المكلف بها، فيقين الطهارة والنجاسة إنما يدور على ذلك وجودا وعدما فالطاهر شرعا هو ما لم يعلم المكلف بملاقاة النجاسة له لا ما لم تلاقه النجاسة مطلقا والنجس هو ما علم المكلف بنجاسته بأحد الأسباب لا ما لاقته النجاسة مطلقا.
ولم أقف على من تنبه لما ذكرنا من هذا التحقيق في المقام من علمائنا الأعلام إلا الفاضل المحقق السيد نعمة الله الجزائري في رسالة التحفة، حيث قال بعد أن نقل عن بعض معاصريه من علماء العراق وجوب عزل السؤر عن الناس، ونقل عنهم أن من أعظم