منه أن حصول الطهارة والحلية هي عبارة عن عدم علم المكلف بالنجس والمحرم لا عبارة عن عدم ملاقاة النجاسة وحصول السبب المحرم واقعا، وحصول النجاسة عبارة عن مشاهدة المكلف لذلك أو أخبار المالك بنجاسة مائه وثوبه مثلا أو شهادة الشاهدين وهكذا في ثبوت الحرمة، وليس ثبوت النجاسة لشئ واتصافه بها عبارة عن مجرد ملاقاة عين أحد النجاسات في الواقع ونفس الأمر خاصة وإن كان هو المشهور حتى أنه يقال بالنسبة إلى غير العالم بالملاقاة أن هذا نجس في الواقع وطاهر بحسب الظاهر بل هو نجس بالنسبة إلى العالم بالملاقاة أو أحد الأسباب المتقدمة طاهر بالنسبة إلى غير العالم، والشارع لم يجعل شيئا من الأحكام الشرعية منوطا بالواقع ونفس الأمر. وحينئذ فلا يقال إن أخبار المالك وشهادة العدلين إنما يفيدان ظن النجاسة لاحتمال أن لا يكون كذلك في الواقع كيف وهما من جملة الأسباب التي رتب الشارع الحكم بالنجاسة عليها، وبالجملة فحيث حكم الشارع بقبول شهادة العدلين وأخبار المالك في ذلك فقد حكم بثبوت الأحكام بهما فيصير الحكم حينئذ معلوما من الشارع ولا معنى للنجس شرعا كما عرفت إلا ذلك وإن فرض عدم ملاقاة النجاسة في الواقع، ألا ترى أنه وردت الأخبار وعليه اتفاق كلمة الأصحاب أن الأشياء كلها على يقين الطهارة ويقين الحلية حتى يعلم النجس والحرام بعينه مع أن هذا اليقين كما عرفت ليس إلا عبارة عن عدم العلم بالنجاسة والحرمة وعدم العلم لا يدل على العدم، فيجوز أن تكون تلك الأشياء كلا أو بعضا بحسب الواقع ونفس الأمر على النجاسة والحرمة لو كان كل من النجاسة والحرمة من الأمور النفس الآمرية الواقعية بدون علم المكلف بذلك، وكذا القول في حكم الشارع بقبول قول المالك في طهارة ثوبه وإنائه وطهارة ما في أسواق المسلمين وحليته لعين ما ذكرنا، وبالجملة فالعلم واليقين المتعلق بهذه الأحكام ليس عبارة عما توهموه من الإناطة بالواقع ونفس الأمر وإن لم يظهر للمكلف وأن متيقن النجاسة ليس إلا عبارة عما وجد فيه النجاسة حتى أنه يصير ما عدا هذا الفرد مما أخبر به المالك أو شهد به العدلان مظنون النجاسة، إذ لو كان كذلك للزم مثله في جانب الطهارة إذ الجميع من
(٢٤٩)