وبعبارة أخرى: أن الرحمة والاستغفار والبركة وغيرها تشترك في التوجه والعناية بحال المرحوم والمستغفر له لذاته أو لغيره والمراد هو القدر المشترك فتكون الدلالة تضمنية لكون العناية جزأ منها.
وحتى لو قيل: أن الصلاة مأخوذة من صليت العود سواء كان المخففة كما قال الزركشي، أو الثقيلة. فإن قولك: صليت العود بالنار (إذا لينته وقومته) ففيه معنى الانعطاف إلى النار كما أن المصلي يلين بالحنو والعطف ويسعى في تعديل ظاهره وتقويم باطنه كالخشب الذي يعرض على النار.
أو كما قال الزمخشري في الكشاف: أنها من الصلوين (وهما عرقان عن جانبي الذنب، وعظمان ينحنيان عند الانحناء فناسب أن يراد بها الحنو والانعطاف المعنويين) قال: وحقيقة صلى صرك الصلوين لأن المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده.
ويجوز على رأي من يجوز استعمال اللفظ في معنيين أن يراد بالصلاة هنا المعنيان الأولان، فيراد بها أولا الرحمة، وثانيا الاستغفار، ومن لا يجوز كأصحابنا يقول بعموم المجاز بأن يراد بالصلاة معنى مجازي عام يكون كلا المعنيين فردا حقيقيا له وهو إما الاعتناء بما فيه خير المخاطبين، وصلاح أمرهم، فإن كلا من الرحمة والاستغفار فرد حقيقي له، وهذا المجاز من الصلاة بمعنى الدعاء، وهو إما استعارة لأن الاعتناء يشبه الدعاء لمقارنة كل منهما لإرادة الخير والأمر المحبوب أو مجاز مرسل لأن الدعاء مسبب عن الاعتناء، وأما الترحم والانعطاف المعنوي المأخوذ من الصلاة المعروفة المشتملة على الانعطاف الصوري هو الركوع والسجود، ولا ريب في أن استغفار الملائكة عليهما السلام ودعاءهم للمؤمنين ترحم عليهم.
ويوضح هذا الرأي قول المحققين: أنها لغة بمعنى واحد وهو العطف، ثم العطف بالنسبة إلى الله تعالى الرحمة اللائقة، وإلى الملائكة الاستغفار وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض.