ولا يخفى أن هذا المعنى للتسليم من باب التأويل كما صرح الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وأن حذف المتعلق والعدول إلى الإطلاق وتأكيد الفعل {سلموا} بقوله {تسليما} تشير إلى كل من التسليم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والتسليم عليه أي السلام اللفظي فهذه الجملة {وسلموا تسليما} في الآية نظير قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]. وهذا هو معنى الإيمان وحقيقة الإسلام (3).
قال في المجمع بعد رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية (أي آية الصلوات) فقلت: كيف صلاة الله على رسوله؟ فقال يا أبا محمد!
تزكيته له في السماوات العلى. فقلت: قد عرفت صلواتنا عليه، فكيف التسليم؟
فقال: [هو التسليم له في الأمور]. فعلى هذا يكون معنى قوله: {وسلموا تسليما} انقادوا لأوامره وابذلوا الجهد في طاعته، وفي جميع ما يأمركم. وقيل معنى {سلموا} عليه بالدعاء أي قولوا: [السلام عليك يا رسول الله] (4).
ونكرر مرة أخرى: أنه بحكم إطلاق الآية يمكن أن يقال أن المراد كلا من (التسليم عليه بمعنى السلام والتحية في مقام التعظيم والتبجيل) و (التسليم له بمعنى الانقياد) وهو أتم وأولى فإن المتعلق قد يكون (له) أو (عليه) محذوف فتحتمل التسليمين معا، والتسليم له هو الشرط الأصيل للإيمان وشرط إجابة الدعاء فلو عنى التسليم عليه فقط كالصلاة لقال: (صلوا وسلوا عليه تسليما) كما وأن من التسليم والطاعة له (السلام عليه) فهي تحت معنى التسليم، ويشمله بمفهومه تسليم الأمر إليه والطاعة له، وبذلك يمكن عطفهما وإرجاعهما إلى نقطة واحدة إذا دققنا فيهما: التسليم القولي والتسليم الفعلي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن من يسلم عليه ويرجو من الله سلامته يحبه ويعرفه كنبي مفترض الطاعة يجب الانقياد والتسليم له، بل ذهب بعض العلماء إلى أن (السلام عليك أيها النبي...) معناه التسليم له والانقياد له ولأهل بيته عليهم السلام.