وعن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله عليه الصلاة والسلام عن قول الله تبارك وتعالى {لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا}: قال نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم، والقائلون صوابا. قلت: جعلت فداك وما تقولون؟ قال: نمجد ربنا ونصلي على نبينا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردنا ربنا (32).
المعنى الخامس: الذي تحمله الصلاة فيما تحمل: (الرحمة) فإن الرحمة من مصاديق الصلاة ومرحلة من مراحلها وهي في اللغة رقة القلوب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان، ومنه الرحم لانعطافه على ما فيه من جنين، والمراد هنا التفضل وضروب الإحسان، وبعبارة أخرى هي التخلص من أقسام الآفات وإرسال الخيرات إلى أرباب الحاجات، فتندرج تحت العنوان العام.
وللرحمة أيضا معنى آخر هو بسط الرزق، وعدم انقطاع مواده عن كل مخلوق، وهو ما به قوام وجوده وكماله اللائق به، فرزق البدن ما به نشوءه ونموه وكماله، ورزق الحس إدراكه المحسوسات، ورزق الوهم المعاني الجزئية، ورزق العقل المعاني الكلية والعلوم الحقة والمعارف المبدئية والمعادية، ورزق الخيال إدراك الخيالات من الصور والأشباح المجردة عن المادة، وهكذا رزق كل بحسبه، كما أن إفاضة الوجود على كل موجود رزق أيضا، وكل هذه من رحمة الله الواسعة التي هي صفة الرحمن التي تقتضيها الصلاة على محمد وآل محمد في بعض مقاماتها بحسب حال المصلي.
وهناك رحمة يقال لها القريبة من المحسنين ومعناها المراتب العالية والدرجات الرفيعة والكرامات الوافرة والنعم الجزيلة.
وعليه فمعنى الصلاة بالرحمة يمكن أن تقع تفسيرا لصلاة الله، وصلوات ملائكته، وكذلك صلوات المؤمنين، أما من الله فتعني طلب إنزال الرحمة التي تختص بهم بنحو خاص، ومن الملائكة استنزال لتلك الرحمة لرفع درجاتهم، وقربهم من المبدأ، فإن المصلى عليهم أقرب واسطة بين الخالق والمخلوق، وتكون من الناس استرحام أي طلبا