المطلب الخامس في:
4 - [صلاة المخلوقين وتسبيحها] ذهب كثير من العلماء والمفسرين وبعض الحكماء كصدر المتألهين أن العبادة صبغة عامة لجميع الموجودات، وليس الإنسان وحده يعبد ويسبح الله بل جميع من في الكون من السماوات والأرض وكل ذرة خلقت يسبحون الله تعالى، ولكن لا نفقه تسبيحهم، وقد أثبت القرآن الكريم هذا المعنى لكل شئ فمن تلك الآيات قوله تعالى: {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} [الإسراء 44]، وقوله: {بحمده} دليل على أن التسبيح ليس هو إلا عن شعور.
أجل كل شئ بلا استثناء لأن لفظ هذه: {وإن من شئ إلا يسبح} يدل على العموم، وقوله تعالى: {ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون} [النور: 41]، صريح في ذلك، وأن الطيور والحيوانات لها عبادتها، وفرضها بأسلوب خاص لا نفقه ما يقولون في صلاتها، ولا ندرك كيف تناجي ربها.
وجمادية الجماد وصلابته لا تعني انفصاله عن المبدأ، واستغنائه عن الفيض، بل يصرح القرآن أنها مع تلك الصلابة تخشع من الله، وأن القلوب التي لم تمل إلى الحق لهي القاسية، بل أشد قسوة من الحجارة: واقرأ معي قوله عز وجل: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة: 74].
نعم لا يخفى أن هناك فرق بين تسبيح المخلوقات وبين تسبيح وعبادة الإنسان فكل حسب حركته نحو الكمال وكل ما يناسب مقامه من الشعور والحركة واللفظ والتلفظ.