وقال في الفتوحات (في معرفة بدو الروحاني): ومن هو أول موجود، وبم (مم) وجد، وفيم وجد، وعلى أي مثال وجد، ولم وجد، وما غايته؟ وغير ذلك، وهو قوله: [كان الله ولا شئ معه]، ثم أدرج فيه (وهو الآن على ما كان) لم يرجع إليه من إيجاد العالم صفة لم يكن عليها، بل كان موصوفا لنفسه ومسمى قبل خلقه بالأسماء التي ندعوه بها. فلما أراد وجود العالم وبدوه على حد ما علمه بعلمه بنفسه انفعل (عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية) عنها حقيقة تسمى الهباء، بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح بها ما شاء من الأشكال.
وهذا هو أول موجود وقد ذكره علي بن أبي طالب عليه السلام وسهل بن عبد الله وغيرهما من أهل تحقيق أهل الكشف والوجود.
ثم إنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء ويسميه أصحاب الأفكار الهيولى الكل، والعالم فيه بالقوة والصلاحية فقبل منه تعالى كل شئ في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده (كما تقبل زوايا البيت نور السراج)، وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتد ضوءه وقبوله. قال الله تعالى: {الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح} [النور: 23] فشبه نوره بالمصباح. فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وآله وسلم المسماة بالعقل الأول. فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان كل وجوده من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية وفي الهباء وجد عينه، وعين العالم من تجليه، وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب عليه السلام وأسرار الأنبياء أجمعين (13).