ويجب أن يعلم أن المراد من تزكية الملائكة له صلى الله عليه وآله وسلم أنهم لما كانوا مجالي أما لاسم واحد، أو أسماء متعددة من الأسماء الحسنى، وعرفهم الله تعالى من أسمائه الحسنى ما هو مبدأ ظهورهم، وأن محمد صلى الله عليه وآله وسلم مجلي لتمام الأسماء الحسنى إلا ما استأثر به الله عز ذكره فهم يزكونه وينزهونه عن التحدد بحدودهم، ومعترفهم بقصورهم عن إدراك مرتبته صلى الله عليه وآله وسلم فأقروا بفضله عليهم، وآمنوا بأنهم خدامه، ويجب عليهم السجود له كما أسجدهم الله تعالى لآدم عليه الصلاة والسلام بواسطة احتماله شيئا من نوره، فانقادوا له، واستعظموا شأنه، وافتخروا بأنه خدامه، وخدام ذريته وأمته، فاستعبدهم الله تعالى بالاستغفار لأمته، ولشيعة أوليائه، فقبلوا وجعل الله الاستغفار لهم، والدعاء لهم، وهو قوله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبآئهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم} [غافر: 7 و 8 و 9].
أقول: وتكون التزكية في هذا المقام على نحوين، تزكية بإفاضة الفيض الدفعي لاستمرار جانب السلب، وهو عبارة عن العصمة والتنزيه والثناء، وتزكية بإفاضة الفيض الرفعي لاستمرار جانب السلب أيضا وهذا مطلوب لغيرهم ويرجع بأثره الوقائي أو العلاجي إلى الأولياء وغيرهم لشموله كل رفع سواء كان للذنب الحقيقي أم النسبي وقال أحد العرفاء في تفسير الآية: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه}: على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإمداد، وبالتأييدات والإفاضة للكمالات، فالمصلي في الحقيقة هو الله تعالى، جمعا وتفصيلا، بواسطة وغير واسطة، ومن ذلك صلاتهم عليه، قبولهم لهدايته وكماله، ومحبتهم لذاته وصفاته، فإنها إمداد له منهم، وتكميل وتعميم للفيض إذ لو لم يكن قبولهم لكمالاته لما ظهرت، ولم