الرحمة بالمؤمنين، وأنتم مؤمنون فكان من شأنكم أن يصلي عليكم حتى يرحمكم، فنسبة الصلاة إلى الرحمة نسبة المقدمة إلى ذيلها، وكالنسبة التي بين الالتفات والنظر، والتي بين الإلقاء في النار والإحراق مثلا.
وهذا يناسب ما قيل في معنى الصلاة كما في بعض التفاسير: أنها الانعطاف والميل.
فالصلاة من الله سبحانه انعطاف إلى العبد بالرحمة، ومن الملائكة انعطاف إلى الإنسان بالتوسط في إيصال الرحمة، ومن المؤمنين رجوع ودعاء للعبودية، وهذا لا ينافي كون الصلاة بنفسها رحمة ومن مصاديقها. فإن الرحمة في القرآن على ما يعطيه التدبر في مواردها هي العطية المطلقة الإلهية، والموهبة العامة الربانية كما قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شئ} [الأعراف: 156]. وقال تعالى: {وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين} [الإنعام: 133]. فالإذهاب لغناه، والاستخلاف والإنشاء لرحمته، وهما جميعا يستندان إلى رحمته كما يستندان إلى غناه فكل خلق وأمر رحمة، كما أن كل خلق وأمر عطية تحتاج إلى غنى، قال تعالى: {وما كان عطاء ربك محظورا} [الإسراء: 20].
ومن عطيته الصلاة فهي أيضا من الرحمة، غير أنها رحمة خاصة ومن هنا يمكن أن يوجه جمع الصلاة، وإفراد الرحمة في الآية. فمثل هؤلاء المؤمنين في ما يحبره الله من كرامته عليهم مثل صديقك تلقاه وهو يريد دارك، ويسأل عنها يريد النزول بك فتلقاه بالبشر والكرامة، فتورده مستقيم الطريق وأنت معه تسيره، ولا تدعه يضل في مسيره حتى تورده نزله من دارك، وتعاهده في الطريق بمأكله ومشربه، وركوبه وسيره، وحفظه من كل مكروه يصيبه. فجميع هذه الأمور إكرام واحد لأنك إنما تريد إكرامه، وكل تعاهد تعاهد، وإكرام خاص والهداية غير الإكرام، وغير التعاهد، وهو مع ذلك إكرام فكل منها تعاهد، وكل منها هداية وكل منها إكرام خاص، والجميع إكرام. فلإكرام الواحد العام بمنزلة الرحمة، والتعاهدات في كل حين بمنزلة الصلوات، والنزول في الدار بمنزلة الاهتداء. وبهذا يتحد معنى الآيتين لأن الصلاة في تلك من الله وملائكته تخرجهم