وقال بعض العامة في معرض انتصار الإمام الشافعي: وقولكم: الدليل على عدم وجوبها عمل السلف الصالح قبل الشافعي وإجماعهم عليه: إن استدلالكم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم، وإما بقول أهل الإجماع: إنها ليست بواجبة. فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من أقوى حججنا عليكم، فإنه لم يزل عمل الناس مستمرا قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر على الصلاة على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في آخر التشهد، وإمامهم ومأمومهم ومنفردهم، ومفترضهم ومتنفلهم، حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في الصلاة؟ لقال: نعم. وحتى لو سلم من غير صلاة على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وعلم المأمومون منه ذلك، لأنكروا ذلك عليه، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. فالعمل أقوى حجة عليكم، فيكف يسوغ لكم أن تقولوا: عمل السلف الصالح قبل الشافعي ينفي الوجوب؟
وأما قوله: قد شنع الناس المسألة على الشافعي جدا، فيا سبحان الله! أي شناعة عليه في هذه المسألة؟ ثم لا يستحي المشنع عليه مثل هذه المسألة من المسائل التي شنعتها ظاهرة جدا، يعرفها من عرفها من المسائل التي تخالف النصوص، أو تخالف الإجماع السابق، أو القياس أو المصلحة الراجحة؟ ولو تتبعت لبلغت مئين، وليس تتبع المسائل المستشنعة من عادة أهل العلم فيقتدى بهم في ذكرها وعدها، والقائل خصم نفسه. فأي كتاب خالف الشافعي في هذه المسألة؟ أم أي سنة؟ أم أي إجماع؟ ولأجل أن قال قولا اقتضته الأدلة وقامت على صحته، وهو من تمام الصلاة بلا خلاف، أما إتمام واجباتها أو مستحباتها، فهو رأى أنه من تمام واجباتها بالأدلة التي سنذكرها فيما بعد ذلك، فلا إجماعا خرقه، ولا نصا خالفه، فمن أي وجه يشنع عليه وهل الشناعة إلا بمن شنع عليه أليق وبه ألحق؟.
وقد استدل بعضهم بالآية في وجوب الصلاة في كلا التشهدين باستعانة الأحاديث ونحن سنذكر في المطالب الآتية من باب ألزموهم ما يفرض على المسلمين الصلاة على محمد وآله في الصلاة المكتوبة، فينبغي الدقة في المقايسة بين العامة والخاصة.