الإكرام إلى باب سلطان فأنفذ حكمه في الأنان، فأمر له ببسط الموائد والطعام، واختصه بأنواع العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل، وسخافة الرأي بخلاف ما إذا أمر بذلك لأحد من مقربي حضرته، وأمراء جنده أو لرسول أحد من سلاطين عصره فحضر هذا الأعرابي وغيره تلك المائدة فأكل منها يكون مستحسنا بل لو أكل منه آلاف أمثاله يعد حسنا، بل لو منعوا من فوائد تلك الموائد يكون مستقبحا بظاهر النطر، وهكذا بالنسبة لاستجلاب قضاء الحاجة والرحمة وكل ما يطلب في الدعاء بالصلاة على محمد وآل محمد فإنه ولو لم يكن أهلا لذلك اللطف ومستحقا لتلك الرحمة إلا أن طلب ذلك من خلال المقربين إليه حسن على كل حال ومن هنا نقول إن الصلاة إذا ضمت إلى الدعاء فإنها تستمطر الخير منهم وتقتضي الفيض من محله.
الأمر التاسع: ما ذكره بعض الفضلاء أن السبب في ضم الصلوات إلى الدعاء أن المصلى عليهم وسائط بيننا وبين ربنا تقدس وتعالى في إيصال الحكم والأحكام منه إلينا لعدم ارتباطنا بساحته جبروته، وبعدنا عن حريم ملكوته، فلابد أن يكون بيننا وبين ربنا سفراء وحجب ذووا جهات قدسية، وحالات بشرية يكون لهم بالجهات الأولى ارتباط بالملأ الأعلى بها يأخذون عنه، ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق يلقون إليهم ما أخذوا عن ربهم. ولذا جعل سفراءه وأنبياءه ظاهرا من نوع البشر وباطنا مباينين عنهم في أطوارهم وأخلاقهم ونفوسهم وقابلياتهم فهم مقدسون روحانيون قائلون: {إنما أنا بشر مثلكم} [الكهف: 110] لئلا ينفر عنهم أمتهم وليقربوا منهم، ويأنسوا بهم، وهذا أحد تفاسير الخبر المشهور المروي في الكافي وغيره الذي يتحدث عن خلقه العقل:
[أول ما خلق الله العقل..] بأن يكون المراد بالعقل نفس النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تقدم هذا المعنى في أول الكتاب، والأمر بالإقبال عبارة عن طلبه إلى مراتب الفضل والكمال والقرب والوصال وإدباره عبارة عن: التوجه بعد وصوله إلى