إن الله سبحانه خص نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بتكريمات لم تعرف لأحد من الأنبياء عليهم السلام، ومنها ما اقتضاه قوله عز اسمه في القرآن الكريم وفرقانه الحكيم:
{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلوا تسليما} من التكريم والتجلة والتعظيم ما يقصر عنه سجود الملائكة كلهم أجمعين لأبي البشر خليفة الله في الأرض تكريما له وتعظيما، فإن سجود الملائكة جميعا، وفيهم سادتهم المكرمون كجبرئيل، وميكائيل وإسرافيل وغيرهم من المقربين والكربيين من حملة العرش ومن حوله، فيه من إظهار الشرف والفضل ما يقصر العقل عن الإحاطة به والانتماء إلى منتهاه... لكن أين هو من هذا التعظيم والتكريم الذي كان بفعل الله سبحانه وفعل ملائكته وفعل صالح المؤمنين.
فإن معنى الآية من أن الله سبحانه يعتني بإظهار شرف نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والملائكة تعتني بإظهار فضله، وأن المؤمنين من البشر وهم خيرة أهل الأرض مأمورون بالاعتناء بإظهار شرف النبوة، والإعلان عن رفع شأن الرسالة ولعمري هذا شئ عظيم يعجز الواصف عن توصيفه، وأهل البيان عن تحديده والإفصاح عنه.
ومن التكريمات المختصة به والتي لا تعرف لغيره، ما جعله الله سبحانه من اللطف والكرامة التي لا يحيط بها الوهم ولا يدركها الخيال، لمن أظهر شرف ذلك النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم (بالصلاة عليه) والتسليم لديه. وذلك ما ورد في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
ففي الخبر الصحيح عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: [إذا ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأكثروا الصلاة عليه، فإنه من صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة، ولم يبق شئ مما خلقه الله إلا صلى على العبد، لصلاة الله وصلاة ملائكته، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور، قد برئ الله منه ورسوله وأهل بيته] (24).