المطلب الثاني في أن:
[{سلموا} بمعنى الانقياد والتسليم] وهذا المعنى هو بمقتضى ظاهر {سلموا} الذي بمعني التسليم للأوامر، ويدل على أن الصلوات من تلك الأمور التي يجب التسليم بها، والطاعة له في أدائها ولذا أضيفت الصلاة إلى الله تعالى وملائكته دون {سلموا} فلو كان بمعنى السلام لأضيف، فهو بمعنى التسليم والانقياد، ولا يصح ذلك من الله تعالى بخلاف {سلموا} بمعنى التحية والتسليم اللفظي.
ومما يؤكده ورود الأحاديث في ذلك: ففي تفسير القمي في قوله تعالى:
{وسلموا تسليما}، يعني سلموا بالولاية. وبما جاء به. وفي معاني الأخبار عن أبي عبد الله الصادق عليه الصلاة والسلام قال: [وأما قوله عز وجل {وسلموا تسليما}: يعني التسليم له فيما ورد عنه..].
وفي المحاسن عنه أيضا قال بعد ذكر الآية: [الصلاة عليه والتسليم له في كل شئ جاء به. وفي الاحتجاج: قال الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه}: لهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله: {صلوا عليه} والباطن قوله: {وسلموا تسليما} أي سلموا لمن وصاه، واستخلفه عليكم وفضله، وما عهد به إليه تسليما، وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه، وصفى ذهنه، وصح تمييزه (2).
وليس بين هذه الأخبار أي اختلاف بعد ملاحظة أن التسليم لله لا يصح إلا بالتسليم إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن التسليم إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لا يتحقق إلا بالتسليم إلى خلفائه المعبر عنهم ب (أولي الأمر) في قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} كما ويشهد بذلك قوله عز وجل: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم}.