وإن كان في أحدهما قد ظهرت الحقائق الإلهية، وما ظهرت في الآخر فالآخر على الحقيقة حيوان في شكل إنسان كما أشبهت الكرة بالفلك في الاستدارة. وأين كمال الفلك من كمال الكرة، وأين مرتبة الإنسان الكامل المتحقق بالحقائق الإلهية من المشكل بصورته من جملة الحيوان؟ ولهذا قال تعالى لنبيه: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17].
وهذا ما يظهر من كلام العارف صدر المتألهين فقد قال: في تفسير سورة يس:
[... واصطفى من بين الآدميين كلمة جامعة إلهية أوتيت جوامع الكلم، ونورا ربانية فيه مجامع الحكم، و {بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [يس: 2]. كان ذاته {يس} وخلقه {القرآن الحكيم} وهو من المرسلين {إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم} ومعه {تنزيل العزيز الرحيم}. فتم له الملك والملكوت، وكمل له الخلق والأمر {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون} [يس: 83] فجعل نسخة وجوده وسيلة نجاة الخلق من عالم الجهل والظلمات، والقرآن النازل عليه براءة العبد من عذاب السيئات، والاقتداء بنوره صراط الله العزيز الحميد والاهتداء بهداه سبيل إلى جنابه المجيد.
وأضاف: {يس} أي يا إنسان أعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لأنه الإنسان الحقيقي المعنوي الذي اجتمعت فيه صور الأسماء كلها مفصلة، كما في العقل الأول مجملة لما روي عن ابن عباس (إن معناه يا إنسان في لغة طي).
وقد مرت الإشارة إلى قاعدة كلية في الحروف المقطعة، بها يمكن أن يستنبط معنى الإنسان الكامل من كلمة (سين) فقط إن كان (يا) حرف نداء ومن مجموع (يا) و ( سين) بوجه آخر إن لم يكن كذلك، وأكثر المفسرين على أن المراد منه (يس) النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وإن اختلفت العبارات وتعددت الإشارات، فقيل معناه: (يا إنسان) وهو قول ابن عباس وقيل: (يا رجل) عن الحسن وأبي العالية وقيل