وقد اتضح لي أن الغفران من الله تعالى في صلاته وكذا استغفار المعصوم تتصور إفاضته وطلبهم على نحوين: النحو الأول (وهو المقصود في الصلاة عليهم وباستغفارهم) دفع الذنوب والمعاصي، وهي عبارة عن فيض العصمة، والثاني رفع الذنوب ومحوها، وهي عبارة عن طهارة الأثر الظلماني الذي خلفه الذنب النسبي أو الحقيقي بلحاظ خاص، وعلى النحو الأول جاء قوله تعالى حكاية عن النبي نوح عليه السلام: {وإن لا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} [هود: 47] فقد استعمل حرف النفي (لا) بدل حرف الجزم (لم) ليفيد أنه لا يتحدث عن الماضي لأنه لم يصدر منه ما يوجب ذلك، بل هو يتحدث عن المستقبل، ويطلب العصمة عن الوقوع في ذلك.
وهذا التعبير الدقيق يشير إلى أن طلب الأنبياء عليهم صلوات الله عليهم أو الأئمة من آل محمد عليهم الصلاة والسلام للغفران، إنما يرى منه طلب دفع المعاصي عنهم، أي يكون منعا وعصمة عن ارتكابها، لا رفعها أي لم يكن عليهم ذنب حتى يرفعونه ويمحون أثره بالاستغفار.
وبعبارة أخرى الاستغفار لاستمرار إفاضة اللطف الإلهي لتفاعل ملكة العصمة فيهم، أي استمرار العصمة وبعد السلب عن القابلية الطاهرة، وهذا ظاهر ولا يخفى على أهل الفضل والعلم.
وتوضيح ذلك لأهل الظاهر على سبيل المثال: إذا قام الإنسان المؤمن بمنع وصول النجاسة إلى مسجد ما، وحافظ على طهارته ولا يدع أحد يلوث المسجد وينجسه سمي هذا الإنسان (مطهرا للمسجد) من باب التطهير الدفعي، وإن لم تكن هناك نجاسة في المسجد أصلا ولا تطهير، وكذا إذا قام بتطهير المسجد برفع النجاسة الواقعة فيه يسمى (مطهرا للمسجد) أيضا ولكن من باب التطهير الرفعي.
وعلى ضوء المثال نقول: إن صلاة الله تعالى على محمد وآل محمد عليهم صلوات الله وسلامه (بمعنى الغفران) معناها عبارة عن استمرار عصمتهم ولطفه تعالى بهم لدفع كل