ثم إن ما ذكرنا من اعتبار الاحتجاج في ذلك السبيل إنما هو إذا قصد بالدفع مجرد إعانة الفاعل كالحاج والزائر. من حيث إن نفس الإعانة من السبيل، وأما إذا قصد حصول ذلك الفعل في الخارج من حيث إنه سبيل من السبل ليصير أن يشترك بماله مع الفاعل ببدنه، فالظاهر عدم اعتبار الاحتياج هنا، لأن الانفاق على ذلك الفعل بمنزلة الانفاق علي بناء المساجد والربط، فصرف المال في مؤونة الزائر لتحصل الزيارة التي هي من سبل الخير كصرف المال في آلات البناء [ونفقة العملة] (1) للبناء الذي يبني المسجد تبرعا بقصد القربة، فهو مأجور بعمله وهذا بماله، ولا يخفى على أدنى متأمل أن هذا لا ينافي ما دل على حرمة الصدقة على الأغنياء، لأن المزكي لم يصرف الصدقة إلا في تحصيل جهة خاصة كان لفعل الغني مدخل فيها وليس تصدقا على الغني، ولذا لو فضل عن مؤونة العمل شئ يجب رده إلى المزكي أو صرفه (2) إلى مصارف أخر للزكاة.
والحاصل: إن السبيل المصروف فيه (3) الزكاة قد يجعل نفس إعانة الغني، لأنه من الأمور الراجحة، وقد يجعل نفس الفعل، والذي اعتبرنا فيه الحاجة هو الأول لا الثاني.
ومن هنا يعلم أن حكمهم بأنه يعطى الغازي من الزكاة وإن كان غنيا إنما ينافي ما دل على عدم حلية الصدقة للغني إذا كان الدفع من باب معونة الغازي، وأما إذا كان من باب حصول دفع العدو الحاصل من مال المزكي وبدن الغازي، فليس فيه منافاة للأدلة.
فإن قلت: فعلى هذا يجوز دفع الزكاة إلى الهاشمي على الوجه الثاني الذي جوز في الغني، لأنه ليس تصدقا عليه بل هو اشتراك معه في ايجاد سبب الفعل الذي هو من السبل.