وجلاء الافهام غير أنه - ظاهر الله جلاله ولا اعدم أولياء فضله وافضاله - سوغ لي الدخول في هذا الباب وأذن لي ان أورد ما يحضرني في الجواب ما يكون صوابا أو مقاربا للصواب فأقول ممتثلا لامره مشتملا ملابس صفحه وعفوه انه ينبغي ان يتقدم ذلك مقدمة تشتمل على بحثين - الأول - لفقهائنا قولان - أحدهما - ان الكعبة قبلة لمن كان في الحرم ومن خرج عنه والتوجه إليها متعين على التقديرين فعلى هذا لا تياسر أصلا. - والثاني - انها قبلة لمن كان في المسجد والمسجد قبلة لمن كان في الحرم والحرم قبلة لمن خرج عنه وتوجه المصلي على قول هذا القائل من الآفاق ليس إلى الكعبة حتى أن استقبال الكعبة في الصف المتطاول متعذر لأن عنده جهة كل واحد من المصلين غير جهة الآخر إذا لو خرج من وجه كل واحد منهم خط موازن للخط الخارج من وجه الآخر لخرج بعض تلك الخطوط عن ملاقاة الكعبة فحينئذ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في الاستقبال ويعود الاستقبال مختصا باستقبال ما اتفق من الحرم - لا يقال - هذا باطل بقوله تعالى - فول وجهك شطر المسجد الحرام - وبأنه لو كان كذا لجاز لمن وقف على طرف الحرم في جهة الحل ان يعدل عن الكعبة إلى استقبال بعض الحرم - لأنا - نجيب عن الأول بان المسجد قد يطلق على الحرم كما روي في تأويل قوله تعالى - سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام - وقد ورد انه كان في بيت أم هانئ بنت أبي طالب وهو خارج عن المسجد ولأنا نتكلم عن التياسر المبني على قول من يقول بذلك.
ونجيب عن الثاني بان استقبال جهة الكعبة متعين لمن تيقنها وانما يقتصر على الحرم من تعذر عليه التيقن بجهتها ثم لو ضويقنا جاز ان نلتزم ذلك تمسكا بظاهر الرواية - البحث الثاني - من شاهد الكعبة استقبل ما شاء منها ولا تياسر عليه وكذا من تيقن جهتها على التعيين اما من فقد القسمين فعليه البناء على العلامات المنصوبة للقبلة لكن محاذاة كل علامة من العلامات بالعضو المختص بها من المصلي ليس يوجب محاذاة القبلة بوجهه تحقيقا إذ قد يتوهم المحاذاة ويكون منحرفا عن السمت انحرافا خفيفا خصوصا عند مقابلة الشئ الصغير - إذا تقرر ذلك - رجعنا إلى الاشكال اما كون التياسر امرا إضافيا لا يتحقق الا بالمضاف فلا ريب فيه وأما كون الجهة اما محصلة أو غير محصلة فالوجه انها محصلة وبيان ذلك ان الشارع نصب علامات أوجب محاذاة كل واحدة منها بشئ من أعضاء المصلي بحيث تكون الجهة المقابلة لوجهه حال محاذاة تلك العلامة هي جهة الاستقبال فالتياسر حينئذ يكون عن تلك الجهة المقابلة لوجه المصلي، وأما انه إذا كانت محصلة كانت هي جهة الكعبة والانحراف عنها يزيل التوجه إليها، فالجواب عنه انا قد بينا ان الفرض هو استقبال الحرم لا نفس الكعبة فان العلائم قد يحصل الخلل في مسافتها فالتياسر حينئذ استظهار في مقابلة الحرم الذي يجب التوجه اليه في كل من حالتي الاستقبال والمتياسر يكون متوجها إلى القبلة المأمور بها اما في حال الاستقبال فلأنها جهة الاجزاء من حيث هو محاذاة لجهة من جهات الحرم تغليبا مستندا إلى الشرع وأما في حال التياسر فيتحقق محاذاة جهة الحرم ولهذا تحقق الاستحباب في طرفه لحصول الاستظهار به - ان قيل - هنا ايرادات ثلاثة الأول النصوص خالية عن هذا التعيين فمن أين صرتم اليه - الثاني - ما الحكمة في التياسر عن الجهة التي نصب العلائم عليها فان قلتم لأجل تفاوت مقدار الحرم عن يمين الكعبة ويسارها قلنا إن أريد بالتياسر وسط الحرم فحينئذ يخرج المصلي عن جهة الكعبة يقينا وان أريد تياسرا لا يخرج به عن سمت الكعبة فحينئذ يكون ذلك قبلة حقيقية ثم لا يكون بينه وبين التيامن اليسير فرق - الثالث - الجهة المشار إليها ان كان استقبالها واجبا لم يجز العدول عنها والتياسر عدول فلا يكون مأمورا به - قلنا - اما الجواب عن الأول فإنه وان كانت النصوص خالية عن تعيين الجهة نطقا فإنها غير خالية من التنبيه عليه إذا لم يثبت وجوب استقبال الجهة التي دلت عليها العلائم ويثبت الامر بالتياسر بمعنى انه عن السمت المدلول عليه، وعن الثاني بالتغصي عن إبانة الحكمة في التياسر فإنه غير لازم في كل موضع بل غير ممكن في كل تكليف ومن شان الفقيه تلقي الحكم مهما صح المستند، أو نقول اما ان يكون الامر بالتياسر ثابتا، وأما ان لا يكون فإن كان لزم الامتثال تلقيا عن صاحب الشرع وان لم يعط العلة الموجبة للتشريع وان لم يكن ثابتا فلا حكمة ويمكن ان نتكلف إبانة الحكمة بان نقول لما كانت الحكمة متعلقة باستقبال الحرم وكان المستقبل من أهل الآفاق قد يخرج من الاستناد إلى العلامات عن سمته بان يكون منحرفا إلى اليمين وقدر الحرم يسير عن يمين الكعبة فلو اقتصر على ما نظر انه جهة الاستقبال أمكن ان يكون مائلا إلى جهة اليمين فيخرج عن الحرم وهو يظن استقباله ومحاذاة العلائم على الوجه المحرر قد يخفى على المهندس الماهر فيكون التياسر يسيرا عن سمت العلامة مفضيا إلى سمت المحاذاة، ويشهد لهذا التأويل ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام وقد سئل عن سبب التحريف عن القبلة ذات اليسار فقال إن الحرم عن يسار الكعبة ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال فإذا انحرف ذات اليمين خرج عن حد القبلة وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة وهذاة الحديث يؤذن بأن المقابلة قد يحصل معها احتمال الانحراف - وأما الجواب - عن الثالث فقد مر في أثناء البحث، وهذا كله مبني على أن استقبال أهل العراق إلى الحرم لا إلى الكعبة وليس ذلك بمعتمد بل الوجه الاستقلال إلى جهة الكعبة إذا علمت أو غلب الظن مع عدم الطريق إلى العلم سواء أ كان في المسجد أو خارجه فيسقط حينئذ اعتبار التياسر والتعويل في استقبال الحرم انما هو اخبار آحاد ضعيفة وبتقدير ان يجمع جامع بين هذا المذهب وبين التياسر بكون ورود الاشكال عليه أتم. وبالله العصمة والتوفيق انه ولي الإجابة، قال ابن فهد: هذا آخر رسالة المصنف قدس الله روحه ثم قال: واعلم أن غير المصنف أجاب عن هذا الاشكال بمنع الحصر لأن حاصل السؤال ان التياسر اما إلى القبلة فيكون واجبا لا مستحبا واما عنها فيكون حراما، والجواب منع الحصر بل نقول التياسر فيها وجاز اختصاص بعض جهات القبلة بمزيد الفضيلة على بعض أو حصول الاستظهار بالتوسط بسبب الانحراف اه.
مشايخه في القراءة والرواية (1) نجيب الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي الربعي (2) السيد فخار بن معد الموسوي (3) والده الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد وفي أمل الآمل يروي عن أبيه عن جده يحيى الأكبر (4) الشيخ مفيد الدين محمد بن جهم الحلي وغيرهم.
تلاميذه (1) الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي الشهير بالعلامة الذايع الصيت وهو ابن أخت المحقق (2) الحسن بن داود الحلي صاحب الرجال (3) السيد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاوس صاحب فرحة الغري (4) السيد جلال الدين محمد بن علي بن طاوس الذي كتب أبوه لأجله كتاب البهجة لثمرة المهجة (5) جلال الدين محمد بن محمد الكوفي الهاشمي الحارثي شيخ الشهيد (6) الشيخ عز الدين الحسن بن أبي طالب