الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الكركي وما اخذ هذا اللقب الا بجدارة واستحقاق وقد رزق في مؤلفاته حظا عظيما فكتابه المعروف بشرائع الاسلام هو عنوان دروس المدرسين في الفقه الاستدلالي في جميع الأعصار وكل من أراد الكتابة في الفقه الاستدلالي يكتب شرحا عليه كمسالك الافهام ومدارك الاحكام وجواهر الكلام وهداية الأنام ومصباح الفقيه وغيرها وصنف بعض العلماء شرحا لتردداته خاصة وعليه من التعليقات والحواشي عدد كثير ونسخة المخطوطة النفيسة لا تحصى كثرة وطبع طبعات كثيرة في إيران ولا يكاد يوجد واحد من العلماء أو طلبة العلوم الدينية ليس عنده منه نسخة، وطبع في لندن عاصمة بلاد الانكليز ومختصره المسمى بالمختصر النافع عليه شروح كثيرة مثل كشف الرموز لتلميذه الآبي اليوسفي والتنقيح الرائع للمقداد السيوري والبرهان القاطع وغيرها وعليه من التعليقات والحواشي شئ كثير لأجلاء العلماء.
اخباره في لؤلؤتي البحرين: نقل غير واحد من أصحابنا ان المحقق الطوسي الخواجة نصير الملة والدين حضر ذات يوم حلقة درس المحقق بالحلة حين ورود الخواجة إليها فقطع المحقق الدرس تعظيما له واجلالا لمنزلته فالتمس منه اتمام الدرس فجرى البحث في استحباب التياسر قليلا لأهل العراق عن يمين القبلة فأورد المحقق الخواجة نصير الدين بأنه لا وجه لهذا الاستحباب لان التياسر ان كان من القبلة إلى غير القبلة فهو حرام وان كان من غيرها إليها فهو واجب فقال المحقق الحلي التياسر منها إليها فسكت المحقق الطوسي اه وتوضيح هذا الجواب يرجع إلى أن ذلك مبني على أن الكعبة قبلة من في المسجد والمسجد قبلة من في الحرم والحرم قبلة من في الدنيا كما تدل عليه بعض الروايات ولما كان الحرم على يسار الكعبة أكثر منه عن يمينها لأنه عن يسارها ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال استحب التياسر قليلا لكونه أقرب إلى الظن باستقبال الحرم فالتياسر في الحقيقة احتياط لتحصيل الظن بالاستقبال - قال - ثم إن المحقق الحلي الف رسالة لطيفة في المسألة وأرسلها إلى المحقق الطوسي فاستحسنها وقد أوردها الشيخ أحمد بن فهد في المهذب البارع في شرح المختصر النافع بتمامها اه وسيأتي ذكرها قريبا، وفي مجلد الصلاة من البحار: قد جرى في ذلك مراسلات بين المحقق صاحب الشرائع والمحقق الطوسي قدس الله روحيهما وكتب المحقق الأول في ذلك رسالة ثم قال والذي يخطر في ذلك بالبال ان الامر بالانحراف لان محاريب الكوفة وسائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيرا مع أن الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة فان انحراف قبلته إلى اليمين أزيد مما تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا وكذا مسجد السهلة ومسجد يونس ولما كان أكثر تلك المساجد مبنية في زمن خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية فأمروا بالتياسر وعللوا بتلك الوجوه الخطابية لاسكاتهم وعدم التصريح بخطأ خلفاء الجور وأمرائهم وما ذكره أصحابنا من أن محراب المعصوم لا يجوز الانحراف عنه انما يثبت إذا علم أن الامام بناه ومعلوم أنه عليه السلام لم يبنه وصلى فيه من غير انحراف وهو أيضا غير ثابت بل ظهر لنا من بعض ما سنح من الآثار عند تعمير المساجد في زماننا ما يدل على خلافه مع أن الظاهر من بعض الأخبار ان هذا البناء غير البناء الذي كان في زمن أمير المؤمنين عليه السلام. وقال في كتاب المزار ويؤيده ما ورد في وصف مسجد غني وان قبلته لقاسطة فهو يومي إلى أن سائر المساجد في قبلتها شئ على أنه لا يعلم بقاء البناء الذي كان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام بل يدل بعض الأخبار على هدمه وتغيره. وقال العلامة الحلي في اجازته الكبيرة لبني زهرة: وكان الشيخ الأعظم الخواجة نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه وزيرا للسلطان هلاكو خان فأنفذه إلى العراق فحضر الحلة فاجتمع عنده فقهاؤها فأشار إلى الفقيه نجم الدين أبي القاسم جعفر بن سعيد فقال من اعلم هؤلاء الجماعة فقال كلهم فاضلون علماء وان كان واحد منهم مبرزا في فن كان الآخر منهم مبرزا في فن آخر فقال من اعلمهم بالأصولين - أصول العقايد وأصول الفقه - فأشار إلى والدي سديد الدين يوسف بن المطهر والى الفقيه مفيد الدين محمد بن جهم فقال هذان اعلم الجماعة بعلم الكلام وأصول الفقه فتكدر الشيخ يحيى بن سعيد (1) وكتب إلى ابن عمه أبي القاسم يعتب عليه وأورد في مكتوبه أبياتا وهي:
لا تهن من عظيم قدر وان كنت * مشارا اليه بالتعظيم فالكبير اللبيب ينقص قدرا * بالتعدي على اللبيب الكريم ولع الخمر بالعقول رمى الخمر * بتنجيسها وبالتحريم كيف ذكرت ابن المطهر وابن الجهم ولم تذكرني فكتب اليه يعتذر اليه ويقول لو سألك الخواجة مسألة في الأصولين ربما وقفت وحصل لنا الحياء ا ه.
رسالة المترجم في التياسر قال أحمد بن فهد في المهذب البارع في شرح المختصر النافع: اعلم أنه اتفق حضور العلامة المحقق خواجة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه مجلس المصنف طاب ثراه ودرسه فكان فيما قرئ بحضوره درس القبلة فأورد اشكالا على التياسر فأجاب المصنف في الحال بما اقتضاه في ذلك الزمان ثم عمل في المسألة رسالة وبعثها إليه فاستحسنها المحقق حين وقف عليها وها انا موردها بلفظها:
بسم الله الرحمن الرحيم جرى في أثناء فوائد المولى أفضل علماء الاسلام وأكمل فضلاء نصير الدنيا والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي - أيد الله بهمته العالية قواعد الدين ووطد أركانه ومهد بمباحثه السامية عقائد الايمان وشيد بنيانه - اشكال على التياسر - وحكايته - الامر بالتياسر لأهل العراق لا يتحقق معناه لان التياسر امر إضافي لا يتحقق الا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى الجهة وحينئذ اما ان يكون الجهة محصلة وإما ان لا يكون ويلزم من الأول التياسر عما وجب التوجه اليه وهو خلاف مدلول الآية ومن الثاني عدم امكان التياسر إذ تحققه موقوف على تحقق الجهة التي يتياسر عنها ثم يلزم من تحقق هذا الاشكال تنزيل التياسر على التأويل أو التوقف فيه حتى يوضحه الدليل وهذا الاشكال مما لم تقع عليه الخواطر ولا تنبه له الأوائل والأواخر ولا كشف عن مكنونه الغطاء لكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وفرض من يقف على فوائد هذا المولى الأعظم من علماء الأنام ان يبسطوا له يد الانقياد والاستسلام وأن يكون قصاراهم التقاط ما يصدر عنه من جواهر الكلام فإنها شفاء أنفس الأنام