أجابوا، واما المجتهدون فبريئون من العمل بالظن من حيث إنه ظن بل لرجوعه إلى العلم فهم عاملون بالعلم واتفق لي امر في مجيئي إلى أصفهان فاني لما خرجت من كاشان أردت التوجه إلى طريق قهرود فاستخرت الله عليه فنهاني فاستخرت على طريق نطنز وفيه زيادة منزلين فنهاني فاستخرت على طريق اردستان وفيه زيادة اربع منازل فأمرني ونهاني عن تركه فتعجبت لأني لم اعلم أن باطن المجتهدين وشريعة سيد المرسلين قضيا بذلك فلما وردت اردستان أخبرت ان شخصا فاضلا من مريديك في البلد فقلت ائتوني به فلما جاءوا به قلت له أنت تابع ميرزا محمد فقال من يكون ميرزا محمد انا مستقل بنفسي فقلت له أنت تدعي علمية الاخبار فقال نعم قلت نعم يا مسكين تدعي خلاف الضرورة والبديهة كيف يمكن حصول العلم من خبر يتردد على لسان واحد من بعد واحد وكتاب بعد كتاب فيما يزيد على الف سنة بأسانيد محتملة القطع محتملة اشتباه الراوي محتملة النقل بالمعنى إلى غير ذلك من الوجوه فطفر إلى أصول الدين فقلت قف حتى نتحقق ان ما أقوله بديهي أو لا، فإن كان بديهيا انقطع الكلام فلما تمت الحجة وظهر امر الله قال الحق معك وقد كان في السابق تنقل عنه أمور من أصناف العصيان مثل كتابة لعن العلماء المجتهدين على الجدران ولعن علماء أصفهان وغيرهم من العلماء الأعيان وأقمت عليه الحجة بان المجتهدين يعملون بالظن لرجوعه إلى العلم وأنتم تعملون بالظن من حيث إنه ظن وان سميتموه علما فهم راجعون إلى العلم وأنتم غير راجعين اليه وهم عاملون بالعلم وأنتم عاملون بالظن فأقر واعترف بذلك - ثالثها - انك تصرفت في كتاب أهدي إلى حضرة ظل الله وكتبت عليه الحواشي من غير اذنه وكيف يأذن لك في ذلك وهو دامت دولته يعلم بعداوتك مع العلماء وانهم لو جاؤوا بالمعاجز لم تقبلها منهم عداوة وبغضا فما أجرأك على الله وعدم مراعاتك حرمة ظل الله ثم لما عصيت وكتبت لم كتبت كتابة تنفضح بها بين العالم ويضحك عليك بسببها الطلبة فضلا عن العلماء وما لك والدخول في بحر متلاطم الأمواج واسع الفجاج إذا دخله مثلك جاهل لا يستطيع الخروج منه لعدم معرفته بالساحل فلقد فضحتك نفسك الامارة وحسدك وحقدك الكامن في صدرك - رابعها - ما اشتهرت به من الافعال التي هي والله حقيقة بان تزول منها الجبال ان صحت الأقوال كتبديلك الاخبار وتطبيقها على ما تهوى وتختار بحذف الصدر مرة وحذف العجز أخرى للتدليس على الناس وايقاعهم في الاشتباه والالتباس وجلوسك مدة عند ملوك بغداد لتوقع في دين الشيعة الفساد فلم ينفلوا منك وأخرجوك من البلاد واعرضوا عنك وما قبلوا تلك الأكاذيب منك. - خامسها - افتاؤك الناس على نحو ما يحبون وتبديلك الحكم على نحو ما يريدون فتقدم رضى المخلوقين على رضى رب العالمين مع أنك لو كنت مصيبا في الفتوى لكنت عاصيا وكنت مع من استفتاك في جهنم ثاويا لان فرضك الرجوع إلى العلماء دون الاستقلال بالآراء لجهلك بالدين وتحريفك شريعة سيد المرسلين ثم شرع في ذكر شواهد عدم وفائه وعدم شكره المنعمين عليه وأمثال ذلك إلى آخر ما ذكره اه.
فتنة الزقرت والشمرت وفي عصره حدثت فتنة الزقرت والشمرت وهما طائفتان من أهل النجف تسمى إحداهما الزقرت أو الزكرت بزاي مضمومتين وراء ساكنة والثانية الشمرت بشين معجمة وميم مكسورتين وراء ساكنة وتاء. والزقرت هو الصقر ولعلهم كانوا يتصيدون بالصقور أو يصطادونها أو شبهوا أنفسهم بالصقور. والشمرت لعله مصحف الشمردل وهو الفتى السريع، حدثت بينهما فتنة وعداوة تبعها حروب كما كان بين القيسية واليمنية في هذه البلاد ويقيم الزقرت في محلتي العمارة والحويش والشمرت في محلتي المشراق والبراق وسبب هذه الفتنة انه كان في الرحبة بنواحي النجف رجل يدعى السيد محمود الرحباوي أصله من بلاد العجم جاء آباؤه لطلب العلم وتوطنوا النجف فأخبره بعض الاعراب ان بالمكان الذي يدعى اليوم بالرحبة عين ماء طمها التراب فاستخرجها السيد محمود واحدث عليها مزارع وبساتين وبنى عندها قصرا وسكنه وهي باقية إلى اليوم وبها ذريته يعرفون بآل السيد فواز وكان السيد محمود رجلا سخيا فاشتهر عند الاعراب بسخائه وكان يضع لهم الطعام في حوض بدل الأواني. وكان له أختان تسمى إحداهما أم السعد وهي التي تنسب إليها خرابة أم السعد في محلة العمارة بالنجف لأنها كانت دارا لها والثانية تسمى رخيثة وقد منعهما أخوهما من التزوج ولهما أبناء عم يخطبونهما منه فلا يزوجهما فشكتا أمرهما إلى المترجم - وكل شر في الدنيا أصله النساء - وكذلك أبناء عمه لما امتنع من تزويجهم غضبوا وطلبوا منه القسمة فطردهم وانكر حقهم فشكوه إلى الشيخ وطلبوا حضوره إلى مجلس الشرع ولعلم الشيخ بأنه لا يحضر لم يرسل اليه فوسطوا في ذلك ولده الشيخ موسى فكلم أباه ولم يزل به حتى ارسل جماعة من أهل العلم مسلحين مع آخرين من أهل النجف وفيهم عباس الحداد أحد الشجعان وعدتهم سبعون رجلا وكلهم بالسلاح وأمرهم باحضار السيد محمود طوعا أو كرها، فنهاه تلميذه السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة عن ذلك وخوفه وقوع فتنة لا تطفأ فلم يقبل لاعتقاده ان ذلك امر بالمعروف ونهي عن المنكر فلا يجوز له تركه وهو قادر عليه وقد أشار إلى ذلك صاحب الجواهر في بعض مجلداتها وغاب عني موضعه الآن، فجاءوا إلى القصر فلما اخبر بمجيئهم قال أخرجوهم وأغلقوا باب القصر دونهم فتفرقوا عند أصحابه وباتوا عندهم وأصبح السيد محمود مقتولا واتهم بقتله أبناء عمه وأصحاب الشيخ فتبرأ بنو عمه من دمه فانحصر ثاره بأصحاب الشيخ وكان الحاكم في النجف الملا محمد طاهر وهو سادن الروضة المطهرة وكانت بين السيد محمود وعشيرة الملا محمد طاهر خؤولة فهو إذا المطالب بثاره فاستطال الملا محمد على أهل العلم وقصدهم بالأذى ويقال انه كان يجلس على باب الصحن الشريف من جهة باب الطوسي ويأمر بغلق باقي الأبواب وعبيده بين يديه عليهم السلاح فإذا مر بهم من أهل العلم من يظنون أنه من أصحاب الشيخ يقول له: يا ملعون يا زقرتي تمشي على الأرض بطولك آمنا وفي بطنك دم السيد محمود فكانوا يتضرعون اليه ويحلفون له اننا لسنا من الزقرت ولا ممن حضر الوقعة فينهرهم ويأمر عبيده فيوجعونهم ضربا وقصد الشيخ وابناءه بالأذى حتى اضطر الشيخ موسى إلى الخروج من النجف، ثم إن أحد الزقرت رمى الملا محمد طاهر برصاصة من بندقيته في الحرم المطهر فوقعت في فمه فمات لساعته فاتسعت الفتنة وقام أصحاب محمد طاهر طالبين بدمه وانضم إليهم من يطلب بثار السيد محمود وحملوا السلاح ولزموا الأماكن العالية من المآذن والدور المرتفعة وأطلق عليهم الشمرت وقابلهم عباس الحداد وأصحابه وكثير من أهل العلم وأطلق عليهم الزقرت وجعلوا يترامون بالبنادق وبعد قتل الملا محمد طاهر بسبعة اشهر توفي الشيخ جعفر وكان قد ولي السدانة والحكم في النجف الملا سليمان بن الملا محمد طاهر بعد قتل أبيه واستمرت الفتن والحروب بين الفريقين فأمر داود باشا والي بغداد بعزل