عبد الله بن رباب - وقد تقدم قبل هذا - وقد كان المترجم أصغر من شهد العقبة الثانية مع أبيه، فيكون في أول الأمر رأسا فيهم هذا بعيد، على أن النقل الصحيح عن الأئمة انه جابر بن عبد الله وكان من المكثرين في الحديث الحافظين للسنن. ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ، فقيل لجابر أن البراء يقول: اهتز السرير؟ فقال جابر: كان بين هذين الحيين الأوس والخزرج ضغائن، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اهتز عرش الرحمن.
قلت: وجابر أيضا من الخزرج حمله دينه على قول الحق والانكار على من كتمه اه. (قال المؤلف): توضيح ذلك أن سعد بن معاذ أوسي والبراء خزرجي، فلما سمع البراء رواية جابر أن عرش الرحمن اهتز لموت سعد بن معاذ، انكر هذه الرواية وقال: اهتز السرير، أي الذي حمل عليه سعد أو نحوه تكذيبا للرواية، فأشار جابر إلى أن الذي حمل البراء على ذلك أنه خزرجي وسعد أوسي وبين الأوس والخزرج ضغائن وأعاد رواية الحديث مؤكدا أن الذي سمعه: اهتز عرش الرحمن. فقال ابن الأثير:
أن جابرا مع أنه خزرجي أيضا كالبراء حمله دينه على قول الحق والانكار على البراء الذي كتمه. ثم روي في أسد الغابة بسنده إلى جابر قال:
استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة - يعني بقوله (ليلة البعير) أنه باع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيرا واشترط ظهره إلى المدينة، وكان في غزوة لهم اه. وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن جابر قال:
استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسا وعشرين استغفارة كل ذلك أعدها بيدي يقول: أديت عن أبيك دينه فأقول نعم فيقول يغفر الله لك. وفي الإصابة: جابر أحد المكثرين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، روى عنه جماعة من الصحابة، وله ولأبيه صحبه. وفي الصحيح عنه أنه كان مع من شهد العقبة، وروى البخاري في تاريخه باسناد صحيح عن أبي سفيان عن جابر قال: كنت اميح (1) أصحابي الماء بدر، وأنكر الواقدي رواية أبي سفيان عن جابر المذكور. وفي مصنف وكيع عن هشام بن عروة قال كان لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد يعني النبوي يؤخذ عنه العلم اه. وفي المستدرك للحاكم بسنده عن محمد بن عمر (الواقدي) قال: شهد جابر بن عبد الله العقبة في السبعين من الأنصار الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندها وكان من أصغرهم يومئذ، وأراد شهود بدر فخلفه أبوه على أخواته وكن تسعا وخلفه أيضا حين خرج إلى أحد وشهد ما بعد ذلك من المشاهد ا ه. وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: كان جابر يقول كنت أميح لأبي الماء يوم بدر، قال محمد بن سعد: ذكرت لمحمد بن عمر - الواقدي - هذا الحديث، فقال هذا وهم من أهل العراق، وانكر ان يكون جابر شهد بدرا، وكان جابر يقول لم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبي، ثم لم أتخلف عن غزوة قط اه.
شئ من سيرته قال ابن طاووس في كتاب الملهوف: ولما رجعت نساء الحسين وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق قالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء فوصلوا إلى موضع المصرع، فوجدوا جابرا بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد واجتمع عليهم نساء ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياما اه وعن كتاب بشارة المصطفى وغيره بسنده عن الأعمش عن عطية العوفي قال خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه زائرا قبر الحسين عليه السلم فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم اتزر بازار وارتدى باخر ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه ثم لم يخط خطوة الا ذكر الله تعالى حتى إذا دنا من القبر قال المسنيه فألمسته إياه فخر على القبر مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء فلما أفاق قال يا حسين ثلاثا ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه ثم قال إني لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على اثباجك وفرق بين بدنك ورأسك اشهد انك ابن خير النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكسا وابن سيد النقبا وابن فاطمة سيدة النساء وما لك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الايمان وفطمت بالاسلام فطبت حيا وطبت ميتا غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ولا شاكة في حياتك فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد انك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا. ثم جال ببصره حول القبر وقال:
السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلت بفناء الحسين عليه السلام وأناخت برحلة أشهد انكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى اتاكم اليقين، والذي بعث محمدا بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. قال عطية فقلت لجابر: فكيف ولم نهبط واديا ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم وأوتمت أولادهم وأرملت الأزواج؟ فقال لي: يا عطية سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق ان نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين عليه السلام وأصحابه قال عطية: فبينما نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام، فقلت يا جابر هذا سواد قد طلع من ناحية الشام، فقال جابر لعبده انطلق إلى هذا السواد وائتنا بخبره فان كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع الينا لعلنا نلجأ إلى ملجأ وان كان زين العابدين فأنت حر لوجه الله تعالى. قال فمضى العبد فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول: يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله هذا زين العابدين قد جاء بعماته وأخواته، فقام جابر يمشي حافي الاقدام مكشوف الرأس إلى أن دنا من زين العابدين عليه السلام فقال الامام:
أنت جابر فقال نعم يا ابن رسول الله فقال يا جابر ههنا والله قتلت رجالنا وذبحت أطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا اه.
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 40 في هذه السنة بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف فسار حتى قدم المدينة إلى أن قال فأرسل إلى بني سلمة فقال والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله، فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها ما ذا ترين أن هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن اقتل، قالت أرى أن تبايع فأتاه جابر فبايعه اه وفي تاريخ اليعقوبي أنه قال لام سلمة اني خشيت أن اقتل وهذه بيعة ضلالة، فقالت إذا فبايع فان التقية حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون الصلب ويحضرون الأعياد مع قومهم اه. وفي شرح النهج لابن أبي الحديد عن إبراهيم بن هلال قال روى عوانة عن الكلبي ولوط بن يحيى في خبر ارسال معاوية بسرا إلى الحجاز واليمن ان بسرا فقد جابر بن عبد الله فقال ما لي لا أرى جابرا يا بني سلمة لا أمان لكم عندي أو تأتوني بجابر