مع هذا وذهبت إلى كتب لي كنت سمعتها منه فخرقتها ثم صار مصيري هذا اسمع عن رجل عنه. وروى أبو بكر الكوفي عن المغيرة قال: كان الشعبي يهون عليه ان تقام الصلاة وهو على الشطرنج والنرد. وقال:
مررت بالشعبي فإذا هو قائم في الشمس على فرد رجل وفي فمه بيدق فقال هذا جزاء من قمر. وروى الفضل بن سليمان عن النظر بن مخارق قال رأيت الشعبي بالنجف يلعب بالشطرنج والى جانبه قطيفة وإذا مر به من يعرفه ادخل رأسه فيها. وبلغ من كذبه أنه قال: لم يشهد الجمل من الصحابة الا أربعة، فان جاءوا بخامس فانا كاذب علي وعمار وطلحة والزبير. وقد اجمع أهل السير انه شهد البصرة مع علي ثمانمائة من الأنصار وتسعمائة من أهل بيعة الرضوان وسبعون من أهل بدر. وهو الذي روى أن عليا كان احمر الرأس واللحية خلافا على الأمة في وصفه، وبلغ من نصبه وكذبه انه كان يحلف بالله عز وجل لقد دخل علي بن أبي طالب اللحد وما حفظ القرآن. وهذا خلاف الاجماع وانكار الاضرار وروى مجالد قال:
قيل للشعبي انك لتقع في هذه الشيعة وانما تعلمت منهم. وكان يقول: ما أشك في صاحبنا الحارث الأعور انه كان كذابا وكان أشبه في زيه ولباسه وفعاله وكلامه بالشطار وأهل الدعارة وخالف الأمة في قوله: النفساء تربص شهرين فكيف يحتج برواية هذا على أمير المؤمنين مع أن المشهور عنه عليه السلام انه كان لا يرى الحرام شيئا ويقول جاء إلى ما أحل الله تعالى له فحرمه على نفسه يمسك امرأته ولا شئ عليه (اه). (أقول): يظهر من آخر الكلام ان المراد بالحرام من حرم زوجته على نفسه ووجدت في هامش كتاب الفصول المقدم ذكره في النسخة المخطوطة التي عندي ما صورته: قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري - كأنه الامامي لا المؤرخ - الشعبي عامر بن شراحيل خرج مع ابن الأشعث وتخلف عن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما فقال له الحجاج أنت المعين علينا يا شعبي فقال أصلح الله الأمير كانت فتنة ما كنا فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء. وروي انه سرق من بيت المال خمسمائة درهم رواه الشاذكوني وكان هو وشريح القاضي وعروة ومرة الهمداني لا يؤمرون علي بن أبي طالب وكانوا يميلون إلى بني أمية (اه). وميله إلى بني أمية هو الذي أوجب عفو الحجاج عنه بعد ما خرج عليه. وهذا كلام وقع في البين فلنعد لما كنا فيه (فنقول):
الظاهر أن تكذيب بعضهم للحارث الأعور لروايته ما لا تحتمله عقولهم من الفضائل وكذلك دعوى ان عامة ما يرويه غير محفوظ هي لذلك. واما ذكرهم أنه قال تعلمت الوحي في سنتين وقوله الوحي أشد من ذلك فلا يبعد ان المراد بنقله هو التشنيع ولكن الظاهر - ان صح النقل - ان مراده بالوحي الأحاديث النبوية فلا شئ فيه اما تكذيب أبي إسحاق والظاهر أن المراد به السبيعي له فالظاهر أنه مكذوب عليه أو صدر لبعض المصالح فأبو إسحاق من الشيعة والحارث الأعور من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام وخاصته فكيف يكذبه وضرب يحيى وعبد الرحمن على بعض أحاديثه عن علي الظاهر أنه لاشتمالها على بعض ما لا تحتمله عقولهم وقضية مرة الهمداني ان صحت فلعلها لأجل ما يشبه ذلك مع ما مر ان مرة الهمداني كان لا يؤمر علي بن أبي طالب ويميل إلى بني أمية وقول السوء الذي نسبه اليه ابن سعد ليس الا ما زعموه من الغلو في التشيع ورموه به من الرفض وينبه على ذلك قول ابن عبد البر السابق لم يبن من الحارث كذبة وانما نقم عليه إفراطه في حب علي وقول القرطبي المتقدم لم يتبين من الحارث كذب وانما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله على غيره مع أن هذه الذموم التي ذكروها وعلم أن سببها تشيعه وردها جماعة منهم لا يمكن ان تعارض ما ورد فيه من المدح من طريقهم من كونه من كبار علماء التابعين ومن أوعية العلم وافقه الناس وأفرضهم وأحسبهم وان عليا عليه السلام كتب له علما كثيرا وتوثيق يحيى بن معين له وقوله ما زال المحدثون يقبلون حديثه وتوثيق المصري له وثناؤه عليه وتعجبه من حفظه وحسن حديثه وتوثيق القرطبي له وتفضيل ابن سيرين له وما نقله فيه عن أهل الكوفة وشهادة الشعبي الذي بالغ في تكذيبه بأنه من الخير الخير من التابعين وقول حبيب بن ثابت ان حديثا له يساوي ملء المسجد ذهبا وقول ابن عبد البر وغيره انه لم يبن منه كذب فظهر ان الفريقين الا من شذ متفقان على مدحه ووثاقته وان من ذمه لشئ في نفسه لا يلتفت إلى ذمه فالحق وثاقته وجلالته. وتوقف العلامة في عدالته كما مر فيه ان عدالته لم تثبت بهذا الحديث وحده بل استفيدت من مجموع أحواله واخباره وولده شريك بن الحارث من خواص الشيعة ويأتي في محله.
اخباره في طبقات ابن سعد بسنده عن غلباء بن احمر ان علي بن أبي طالب خطب الناس فقال من يشتري علما بدرهم فاشترى الحارث صحفا بدرهم ثم جاء بها عليا فكتب له علما كثيرا ثم إن عليا خطب الناس بعد فقال يا أهل الكوفة غلبكم نصف رجل - مشيرا إلى أنه أعور - وبسنده عن عامر لقد رأيت الحسن والحسين يسألان الحارث الأعور عن حديث علي وعن أبي إسحاق انه كان يصلي خلف الحارث الأعور وكان امام قومه وكان يصلي على جنائزهم فكان يسلم إذا صلى على الجنازة عن يمينه مرة واحدة (اه). وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال امر علي عليه السلام - لما أراد الخروج إلى صفين - الحارث الأعور ان ينادي في الناس اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة فنادى الحارث في الناس بذلك (الخبر).
وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين أيضا بسنده عن حبة العرني قال امر علي عليه السلام الحارث الأعور - وهو سائر إلى صفين - فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر فوافوه في تلك الساعة (الحديث). وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن إبراهيم بن محمد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات انه لما أغار سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار وقتل حسان بن حسان البكري أمر علي عليه السلام الحارث الأعور الهمداني فنادى في الناس أين من يشري نفسه لربه ويبيع دنياه بآخرته، أصبحوا غدا بالرحبة إن شاء الله ولا يحضر إلا صادق النية في السير معنا والجهاد لعدونا (الخبر).
ومن اخباره ما رواه الشيخ في الأمالي في مجلس يوم الجمعة 18 جمادي الآخرة سنة 457 قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل حدثنا محمد بن علي بن مهدي الكندي العطار بالكوفة وغيره، حدثنا محمد بن علي بن طريف الحجري، حدثني أبي عن جميل بن صالح عن أبي خالد الكابلي عن الأصبغ بن نباتة قال: دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم فجعل الحارث يتأود في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضا فاقبل عليه أمير المؤمنين عليه السلام وكانت له منه منزلة فقال كيف تجدك يا حارث، قال: نال الدهر مني يا أمير المؤمنين وزادني أوارا وغليلا اختصام أصحابك ببابك قال وفيم خصومتهم؟ قال في شانك، والبلية من قبلك، فمن مفرط غال ومقصر، ومن متردد مرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم. قال فحسبك يا أخا همدان، الا ان خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق القالي