يريد من محاذاة الشجرة والبيداء كونه بين الشجرة والبيداء فان ذا الحليفة وان كان ملاصقا للبيداء الا ان مسجد الشجرة الذي يجب الاحرام منه على الأقوى ليس متصلا بالبيداء فالمرور بين البيداء والشجرة ممكن بان يمر بآخر ذي الحليفة والبيداء والمرور شرقي البيداء. وزعم أن مسير ستة أميال إذا كان شرقي البيداء لا يبلغ محاذاة الشجرة والبيداء مما لم يقم عليه دليل فان البيداء أرض بعينها ملساء بين الحرمين معروفة ولم يعلم أنها واسعة كثيرا بحيث إذا سار السائر ستة أميال من المدينة إلى شرقي البيداء لا يحاذي الشجرة. وكيف كان فالخبر صريح على روايتي الكافي والفقيه في أنه يحرم إذا بعد عن المدينة ستة أميال سائرا من ناحية البيداء سواء أ سار في نفس البيداء أم شرقيها أم غربيها وانه إذا سار تلك المسافة يكون بحذاء الشجرة وان احرامه من ذلك المكان لكونه بحذاء الميقات الذي كان عليه ان يحرم منه لو مر به فلما لم يمر به كان عليه ان يحرم من محاذاته فتدل بمفهوم العلة ان كل من لم يمر بميقات عليه ان يحرم من محاذاته كما هو فتوى الأصحاب ولا دلالة لها على التقييد بكون التياسر قليلا لصراحتها في أن من سار ستة أميال من المدينة فوصل البيداء إلى اي موضع كان منها حاذى الشجرة بدون تكلف تأويل ولا تقييد وان ذلك ليس مبنيا على التدقيق بل على المحاذاة العرفية التي امرها أوسع من التدقيق وبعد كون الروايتين رواية واحدة لا مجال للقول بأنه على رواية الفقيه يلزم ان يكون الخروج من المدينة على التيامن كما عرفت ومرادنا من أن الفتوى في مسالة المحاذاة خاصة بمن لم يمر على ميقات هو قول الفقهاء جميعا بعد ذكر المواقيت ان من لم يمر بميقات احرم من المحاذاة. والحاصل انه لا يبعد ان يفهم من النص والفتوى انه يجب الاحرام من الميقات عند المرور به ومن محاذاته عند عدم المرور به فالمحاذاة بمنزلة الميقات الاضطراري وكما أنه لا يجوز تجاوز الميقات بدون احرام ولو إلى ميقات آخر لا يجوز تجاوز محاذاة ميقات إلى محاذاة آخر اعطاء للبدل حكم المبدل وان كان لو تعدى اثم وصح احرامه نعم يجوز بل يجب تجاوز محاذاة ميقات آخر والاحرام منه لكون المحاذاة بمنزلة الميقات الاضطراري ومع إرادة المرور من الاختياري يلزم ترك الاضطراري. توضيح ذلك ان الشارع جعل هذه المواقيت لأهل الأصقاع فالعقيق لأهل العراق والشجرة لأهل المدينة والجحفة لأهل مصر والشام ويلملم لأهل اليمن وقرن المنازل لأهل الطائف. وجعلها مواقيت لمن مر عليها من غير أهل هذه الأصقاع أيضا بل ظاهر صحيحة ابن سنان المشار إليها آنفا انه يشترط لعد المار عليها من أهل ذلك الصقع اقامته فيه شهرا فأكثر وان لم نجد عاملا بذلك فهي مواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غير أهلها كما دل عليه النص والفتوى فمن مر عليها من أهل صقعها أو من جاء إلى صقعهم وان لم يكن من أهلها أحرم منها ومن لم يمر عليها من أهلها ومن جاء إلى صقعهم أحرم من محاذاتها ومن لم يمر بها ولا من محاذاتها من أهل صقعها فعليه ان يحرم من محاذاة أول ميقات يمر بحذائه وليس له ان يؤخر الاحرام إلى محاذاة ميقات آخر كما لا يجوز له ان يؤخر الاحرام من ميقات إلى آخر ومن مر بالمدينة من غير أهلها ميقاته الشجرة فان مر بها أحرم منها وان لم يمر بها بل كان مشرقا عنها أو مغربا أحرم من محاذاتها وذلك إذا بلغ في مسيره ستة أميال متوجها إلى مكة وليس لمن مر بالشجرة ان يؤخر الاحرام إلى ميقات آخر إذا كان يمر به بعد ذلك واما خبر إبراهيم بن عبد الحميد انه سال الكاظم (ع) عن قوم قدموا المدينة فخاف أكثرهم البرد وكثرة الأيام و أرادوا ان يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها فقال لا وهو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الا من المدينة فمع ضعف السند محمول على الاستحباب ويكون الغضب لإرادتهم اتباع الأسهل الأقل ثوابا وتجنب الأشق الأكثر ثوابا. والعراقي إذا لم يمر بالعقيق بل سافر بحرا من طريق البصرة فعليه ان يحرم من محاذاة أول ميقات يمر بحذائه وقد كانوا يحرمون بين جدة وقمران عند محاذاة يلملم بحسب قول القبطان ثم لما لاحظ العلماء في هذا العصر الخارطة رأوا ان هذه المحاذاة ليست هي المحاذاة المطلوبة لأن المطلوبة ان يكون الميقات على اليمين أو اليسار متوجها إلى مكة وهنا الميقات مقابل وجهه لا عن يمينه ولا عن يساره. وان المحاذاة المطلوبة تحصل في جدة بالجيم أو حدة بالحاء. فالعراقيون الحاجون بحرا لا يمرون بميقات بلادهم ولا بما يحاذيه بل بما يحاذي ميقات بلاد أخرى فيحرمون منه. وبهذا التقرير لا يبقى محل للخلاف في أن من فرضه الاحرام من المحاذاة هل يحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة أو أبعدها عنها أو أقربها اليه فان فرضه ان يحرم من محاذاة أول ميقات يمر به فالمدني يحرم من محاذاة الشجرة لا من محاذاة الجحفة ولا العقيق لكن لأنه أول ميقات يحاذيه وصادف انه ابعد المواقيت عن مكة والشامي والمصري والمغربي يحرمون من محاذاة الجحفة في وجه وصادف انها أقرب إلى مكة من الشجرة أو من محاذاة الشجرة كما مر واليماني والعراقي يحرمان من محاذاة يلملم لأنه أول ميقات يحاذيانه وصادف انه أقرب إلى مكة من الجحفة والشجرة.
وقال أيضا فيما كتبه الينا بالتاريخ المتقدم ما نصه: وقلت دام فضلك وذكرت للمحاذاة معنيين استظهرت ثانيهما (الأول) الوقوع على دائرة عرض الشجرة ولم يتضح لي معناه (الثاني) الوقوع على دائرة تمر بالشجرة مركزها مكة مع أن المحاذاة المفهومة من صحيحة ابن سنان ان يكون بينه وبين مكة بقدر ما بين الميقات ومكة حال كون الميقات عن يمينه أو شماله لا ما إذا كان مقابل وجهه مثلا فيخرج الواقع على بعض خطوط تلك الدائرة عن المحاذاة. فاعرض لحضرتك: اما قولي الوقوع على دائرة عرض الشجرة فمرادي منه الدائرة التي يكون بعدها عن خط الاستواء ما يقرب من 25 درجة كبعد الشجرة وهو الذي يسمى عرض البلد وعلى هذا يوجبون الاحرام عند مقابلة يلملم في البحر وان كان بينه وبين الثانية التي سأذكرها نحو 150 ميلا. واما قولي على دائرة تمر بالشجرة ومركزها مكة فهو عين ما تقوله وتختاره في معنى المحاذاة مفهوما ومصداقا ولم أدر ما هو المنشأ في قولك لا ما إذا كان الخ (انتهى). ونقول: المحاذاة امر عرفي يكفي فيها صدق المحاذاة العرفية التي امرها واسع جدا بملاحظة جعلها على ستة أميال من المدينة لمن دخل البيداء من غير تقييد بمكان منها مما يشمل طرفها الغربي والشرقي ووسطها وبناء الأميال على التقريب لا التحقيق الذي لا يتيسر للحاج غالبا فبناؤها على خط الاستواء والدرجات وعرض البلد والدائرة هو ان صح تكلف لما لا يلزم واما قولنا لا ما إذا كان مقابل وجهه فقد علم معناه مما مر في كلامنا.
تحديد الميل وارسل الينا بالتاريخ المتقدم معترضا على تحديد الميل في الدر الثمين بأربعة آلاف ذراع بعد ترداد المراسلة يقول: وقلت دام فضلك:
واستشكلت في قدر الميل انه 4000 ذراع مع اشتهاره ودعوى الاجماع عليه وعدم المعارض سوى مرسلة الخزاز القاصرة سندا ومتنا لعدم التصريح فيها بأنه 3500 بل قال إن بني أمية لما ذرعوا ما بين ظل عير إلى فئ وعير وزعوه