وان التحديد بالأربعة فراسخ أقرب إلى التحقيق والتقدير المأنوس للأذهان (انتهى).
فأجبناه بان التحقيق هنا غير ممكن وكفى برهانا على عدم امكانه ما ذكرتموه من اختلاف اليوم في الحجاز وغيره ومنه يعلم أن التقدير بنحو مسير ست ساعات أقرب إلى التحقيق والتقدير المأنوس للأذهان لانس الأذهان، بالساعات أكثر من انسها بالفراسخ التي لا يعرفها الا الخواص.
محاذاة الميقات (الثالث) قولنا ان من يحج بطريق البحر من أهل الشام وغيرهم فاحرامه من محاذاة الجحفة لا يخلو من إشكال لأنه يحاذي مسجد الشجرة قبل محاذاة الجحفة وكما أنه لا يجوز التعدي عن محاذاة ميقات قبل الاحرام منها إلى محاذاة ميقات آخر نعم لو فعل اثم وصح حجه.
فقال إن الأدلة أطلقت ان الجحفة ميقات أهل مصر والشام مع أن هؤلاء في مسيرهم إلى الجحفة يحاذون مسجد الشجرة قبل الوصول إلى الجحفة (انتهى).
فأجبناه بالتاريخ المتقدم بأنه قد فاتك ان مسالة المحاذاة في النص والفتوى خاصة بمن لم يمر على ميقات ولا تتناول من مر على أحد المواقيت وقد اختلفت فيها الأنظار هل يحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة أو من محاذاة أبعدها عنها أو من محاذاة أقربها اليه والذي استقر عليه رأي أكثر المحققين ودلت عليه صحيحة ابن سنان انه يحرم من محاذاة ابعد المواقيت عن مكة (انتهى).
فأجابنا بالتاريخ المتقدم أيضا يقول: قلت دام فضلك وقد فاتك الخ. فاعرض لحضرتك ان النص الملحوظ لهم في مسالة المحاذاة هي الصحيحة المذكورة وهي مختصة بمن يخرج من المدينة وبمحاذاة الشجرة وانما تسروا إلى محاذاة سائر المواقيت من سائر الحجاج بالمناط وإلغاء خصوصية الشجرة وها هي الصحيحة بحسب رواية الكافي: من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن احرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء.
وبحسب رواية الفقيه: ثم بدا له ان يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها ويعلم من نحو عشر روايات في تلبية الاحرام وغيرها ان مسجد الشجرة ليس من البيداء فيكون قوله في رواية الكافي من البيداء بيانا للمحل الذي يحاذي الشجرة منه فيكون الخروج المشار اليه في رواية الكافي على التياسر عن طريق المدينة إلى الشجرة ذاهبا إلى البيداء وبمسيرة ستة أميال يحاذي الشجرة منها ولا يخفى انه يلزم عليه ان يكون التياسر قليلا لكي تحصل المحاذاة بمسير الستة الأميال واما على رواية الفقيه فيقتضي ان يكون الخروج من المدينة على التيامن فيحاذي الشجرة والبيداء ولا يتأتى على التياسر لأن مسير الستة الأميال الذي لا يدخل البيداء بل يفضي إلى شرقيها لا يبلغ محاذاة الشجرة والبيداء فاعتمادك على هذه الصحيحة في اختصاص مسالة المحاذاة بمن لم يمر أو لا يمر على ميقات مبني على دلالتها على أن المراد من غير طريق أهل المدينة هو ما يغاير طرقها منها إلى مكة مغايرة كلية بحيث لا يفضي إلى طريق الجحفة أو طريق العقيق ولو بعد ثلثي المسافة وان المنشأ في الاحرام من المحاذاة هو عدم المرور بالميقات فيما بعد ولكن الاعتبار وظهور سوق الرواية يأبيان ذلك بل واطلاق المغايرة لو أن الرواية ظاهرة بمغايرة الطريق إلى مكة واطلاق حكم المحاذاة من التقييد بالمنشأ المذكور (اما الاعتبار) فان الطرق المألوفة المأهولة المأمونة والأبعد عن الوعورة والتي يمكن التبلغ فيها من الماء وغيره بسبب المرور على المياه والقرى ووضع الأميال والمسالح انما هو طريقا الجحفة والعقيق واما التقحم في غيرها فلا يتيسر الا لنادر من البدور وفي نادر من الأيام فيبعد حمل الرواية عليها لو اقتضاه لفظها (واما سوقها) فلأن الغير المذكور هو ما يخرج فيه من المدينة ويؤخذ في السير فيه مما لا يفضي إلى الشجرة فالمغايرة ظاهرة في كونها في الخروج والاخذ في السير المعتاد المفضي إلى الشجرة وانه طريق واحد ولا دلالة فيها على أن المراد من طريق المدينة ما كان إلى مكة بل إفراد لفظه وتعدد طرق المدينة المعتادة إلى مكة ينافي ذلك ويقتضي أيضا الظهور في طريقها إلى الشجرة (واما الاطلاق) فلان الغيرية تصدق على وجه الحقيقة لو سار نصف الطريق المألوفة إلى مكة أو ثلثيها على غير طريق الجحفة أو طريق العقيق ثم عدل على أحدهما سلمنا دلالة الصحيحة على أن الخارج من المدينة حكمه الاحرام من محاذاة الشجرة إذا لم يمر بالجحفة أو العقيق ولكن من أين لها الدلالة على أن كل من لا يمر بميقات يحرم من محاذاة الشجرة وان كان على طريق الشام أو نجد وأين دلالة الصحيحة على أنهما يحرمان من ابعد المواقيت عن مكة وقصارى دلالتها على أن من كان ميقاته الشجرة يحرم من محاذاتها لا لأنها ابعد المواقيت بل لان الشجرة ميقات المدني وان اتفق كونها من حيث الوضع ابعدها. وغاية ما يستفاد من مناطها ان من لم يمر في طريقه على ميقاته الموظف لجهته فإنه يحرم من محاذاة ذلك الميقات وقد دلت الروايات على أن ميقات أهل الشام ومصر و المغرب هي الجحفة ولا أقل من اقتضائها انهم يسيرون محلين في طرقهم المعروفة إليها إلى أن يبلغوها ومن أين يجئ تقييد احلالهم بان يكون احرامهم منها وغاية المناط من الصحيحة ان محاذاة الجحفة مثلها لا يجوز ان يتعدوها محلين هذا فضلا عن أن محصل تحديد المواقيت لأهل الأصقاع واختلافها بحسب الطرق يفيد الجزم بأنها حد لحلهم واحرامهم وغاية مفاد الصحيحة ومناطها هو ان محاذاة الميقات مثله في كونها حدا لما هو له في صقعه. واما اعتمادك فيما ذكرت على الفتوى فلو كانت هنا شهرة محققة وانى على تقييد حكم المحاذاة بمن لا يمر بميقات أصلا لطالبنا بالدليل ولم نكتف بالشهرة مقيدا. وكلمات الفقهاء في المحاذاة على اختلافها ليس فيها ظهور يعتد به في أن الشامي والبحري الذي لا يمر بالجحفة يحرم من محاذاة الشجرة اما مثل كلام المبسوط والسرائر والدروس في المحاذاة فالأقرب انه ناظر إلى محاذاة الميقات الذي هو حد لصقع ذلك الطريق فان السرائر تقول ان ميقات أهل مصر ومن صعد البحر من جدة مع أن البحري لا بد له من أن يحاذي الشجرة حتى إذا كان مسيره في الساحل الإفريقي فإنه يحاذيها في مقابل رابغ وإذا كان في الساحل الحجازي حاذاها في جنوبي ينبع مقابل بئر عباس وفيما بين هذين الساحلين ما بين المكانين حسب سير الدائرة (انتهى).
فأجبناه بان صحيحة ابن سنان التي هي المستند في المحاذاة هي واحدة سواء برواية الكافي أم برواية الفقيه والاختلاف الجزئي في رواية الفقيه عن رواية الكافي بقوله والبيداء بدل من البيداء لا يجعلها روايتين مختلفتي المفاد فالظاهر أن صاحب الفقيه رواها بالمعنى لأن ملحوظه حذف الأسانيد والاختصار فوقعت الواو بدل من سهوا من قلم الصدوق أو من النساخ وتصلح حينئذ رواية الكافي أن تكون مفسرة لها على أنه يمكن ان