على بجموعهم فنهبوهم من ورائهم وانهزموا وأفرد الجوباني مماليكه فأسره العرب وسيق إلى يعبر فقتله ولحق الناصري بدمشق وأسر جماعة من الأمراء وقتل منهم أيبقا الجوهري ومأمون المعلم في عدد آخرين ونهب العرب مخيمهم وأثقالهم ودخل الناصري إلى دمشق فبات ليلته وباكر من الغد آل على في أحيائهم فكبسهم واستلحم منهم جماعة فثأر منهم بما فعلوه في الواقعة ثم بعث إليه السلطان بنيابة دمشق منتصف شعبان من السنة فقام بأمرها وأحكم التصريف في حمايتها والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده * (إعادة محمود إلى أستاذية الدار واستقلاله في الدولة) * هذا الرجل من ناشئة الترك وولدانهم ومن أعقاب كراي المنصوري منهم شب في ظل الدولة ومرعى نعمها ونهض بنفسه إلى الاضطلاع والكفاية وباشر كثيرا من أعمال الأمراء والوزراء حتى أوفى على ثنية النجابة وعرضته الشهرة على اختيار السلطان فعجم عوده ونقد جوهره ثم الحق به أغراض الخدمة ببابه فأصاب شاكلة الرمية ومضى قدما في مذاهب السلطان مرهف الحد قوى الشكيمة فصدق ظنه وشكر اختياره ثم دفعه إلى معاينة الحبس وشد الدواوين من وظائف الدولة فجلا فيهما وهلك خلال ذلك أستاذ الدار بهادر المنجكي سنة تسعين فأقامه السلطان مكانه قهرمانا لداره ودولته وانتظاره على دواوين الجباية من قراب اختياره ونقده جماعة للأموال غواصا على استخراج الحقوق السلطانية قارونا للكنوز إكسيرا للنقود مغناطيسا للقنية يسابق أقلام الكتاب ويستوفى تفاصيل الحساب بمدارك الهامه وتصور صحيح وحدس ثاقب لا يرجع إلى حذاقة الكتاب ولا؟؟ الاعمال بل يتناول الصعاب فيذللها ويحوم على الأغراض البعيدة فيقربها وربما يحاضر بذكائه في العلوم فينفذ في مسائلها ويفحم جهابذتها موهبة من الله اختصه بها ونعمة أسبغ عليه لبوسها فقام بما دفع إليه السلطان من ذلك وأدر خروج الجباية فضاقت أفنية الحواصل والخزائن بما تحصل وتسرب إليها وكفى السلطان مهمه في دولته ومماليكه ورجاله بما يسوغ لهم من نعمه ويوسع من أرزاقه وعطائه حتى أزاح عللهم بتوالي انفاقه وقرت عين السلطان باصطناعه وغص به الدواوين والحاشية ففوقوا إليه سهام السعاية وسلطوا عليه السنة المتظلمين فخاص من ذلك خلوص الابريز ولم تعلق به ظنة ولا حامت عليه ريبة ثم طرق الدولة ما طرقها من النكبة والاعتقال وأودعته المحنة غيابات السجون وحفت به أنواع المكاره واصطلمت نعمته واستصفيت أمواله في المصادرة والامتحان حتى زعموا أن الناصري المتغلب يومئذ استأثر منه بخمسة قناطير من دنانير الذهب ومنطاش بعده بخمسة
(٤٩٧)