أعدت له أنواع الكرامة وهيئ له المنزل والركاب والفرش والثياب والآنية والخوان والخرثي والصوان واحتفل السلطان لقدومه وتلقيه بما لم يكن في أمله وقضى الناس العجب من حلم هذا السلطان وكرم عهده وجميل وفائه وتحدث به الركبان ثم ولاه نيابة دمشق وبعثه لكرسيها مطلق اليد ماضي الحكم عزيز الولاية وعسكر بالزيدانية ظاهر القاهرة ثالث ربيع الأول من سنة سبع وثمانين وارتحل من الغد وسعادة السلطان تقدمه ورضاه ينقله إلى أن قارب دمشق والناس يتلقونه أرسالا ثم دخل المدينة غرة ربيع الثاني وقد احتفل الناس لقدومه وغصت السكك بالمتنزهين وتطاول إلى دولته أرباب الحدود وتحدث الناس بجمال هذا المشهد الحفيل وتناقلوا خبره واستقل بولاية دمشق وعناية السلطان تلاحظه ومذاهب الطاعة والخلوص تهديه بحسن ذكره وأفاض الناس الثناء في حسن اختياره وجمال مذهبه وأقام السلطان في وظيفته أحمد ابن الأمير بيبقا فكان أمير مجلس والله غالب على أمره * (هدية صاحب إفريقية) * كان السلطان لهذا العهد بإفريقية من الموحدين ومن أعقاب الأمير أبى زكريا يحيى ابن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي المستبد بإفريقية على بنى عبد المؤمن ملوك مراكش أعوام خمس وعشرين وستمائة وهو أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم أبى زكريا سلسلة ملوك كلهم ولم تزل ملوك المغرب على القدم ولهذا العهد يعرفون لملوك الترك بمصر حقهم ويوجبون لهم الفضل والمزية بما خصهم الله من ضخامة الملك وشرف الولاية بالمساجد المعظمة وخدمة الحرمين وكانت المهاداة بينهم تتصل بعض الأحيان ثم تنقطع بما يعرض في الدولتين من الأحوال وكان لي اختصاص بذلك السلطان ومكان من مجلسه ولما رحلت إلى هذا القطر سنة أربع وثمانين واتصلت بهذا السلطان بمصر الملك الظاهر سألني عنه لأول لقيه فذكرته له بأوصافه الحميدة وما عنده من الحب والثناء ومعرفة حقه على المسلمين أجمع وعلى الملوك خصوصا في تسهيل سبيل الحج وحماية البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود أحسن الله جزاءه ومثوبته ثم بلغني أن السلطان بإفريقية صد أهلي وولدي عن اللحاق بي اغتباطا بمكاني وطلبا لفيئتي إلى بابه ورجوعي فتطارحت على هذا السلطان في وسيلة شفاعة تسهل منه الاذن فأسعفني بذلك وخاطبت ذلك السلطان كان الله له أغبطه بمودة هذا السلطان والعمل على مواصلته ومهاداته كما كان بين سلفهم في الدولتين فقبل منى وبادر إلى اتحافه بمقربات إذ ليس عندنا في المغرب تحفة تطرف بها ملوك الشرق الا الجياد العرب
(٤٧٩)