وعاد إلى الشأم فقصد حلب واعتزم على قصد حصن الاثارب وهو على ثلاثة فراسخ من حلب وكان الإفرنج الذين به قد ضيقوا على حلب فسار إليه وحاصره وجاء الإفرنج من أنطاكية لدفاعه واستفرغوا فتبعهم وترك الحصن وسار إليهم واستماتت المسلمون فانهزم الإفرنج وأسر كثير من زعمائهم وقتل كثير حتى بقيت عظامهم ماثلة بذلك الموضع أكثر من ستين سنة ثم عاد إلى حصن الاثارب فملكه عنوة وخربه وتقسم جميع من فيه بين القتل والأسر وسار إلى قلعة حارم (1) قرب أنطاكية وهي للإفرنج فحاصرها حتى صالحوه على نصف خراجها فرجع عنها وملئ الإفرنج رعبا منه ومن استبداد المسلمين به وذهب ما كان عندهم من الطمع * (واقعة عماد الدين مع بنى ارتق) * ولما فرغ عماد الدين من غزو الإفرنج وفتح الاثارب وقلعة حارم عاد إلى الجزيرة وحاصر مدينة سرخس وهي لصاحب ماردين بينها وبين نصيبين فاجتمع حسام الدين صاحب ماردين وركن الدولة صاحب آمد وهما لابي الغازي صاحب مارين بن حسام الدين تمرتاش بن أبي الغازي وصاحب كيفا ركن الدولة داود بن سقمان وتمرتاش بن ارتق وجمعوا من التركمان نحوا من عشرين ألفا وساروا لمدافعة زنكى فهزمهم وملك سرخس وسار ركن الدولة إلى الجزيرة ابن عمر لينهبها فاتبعه عماد الدين فرجع إلى بلده فعاد عنه لضيق مسالكه وملك من قلاعه همرد ورجع إلى الموصل إلى آخره * (حصول دبيس بن صدقة في أسر الأتابك زنكى) * قد تقدم لنا أن دبيس بن صدقة لما فارق البصرة سار إلى سرخد من قلاع الشأم سنة خمس وعشرين باستدعاء الجارية التي خلفها الحسن هنالك ليتزوج بها وأنه مر في الغوطة بحي من أحياء كلب فأسروه وحملوه إلى تاج الملوك صاحب دمشق وبلغ الخبر إلى الأتابك زنكى وكان عدوا له فبعث فيه إلى تاج الملوك بورى وفادى من ابنه سونج والأمراء الذين معه عنده فأطلقهم وبعث بورى إليه بدبيس وهو مستيقن الهلاك فلما وصله أكرمه وأحسن إليه وأزاح علله وبعث المسترشد فيه إلى بورى ابن طغركين صاحب دمشق فوجده قد فات بتسلمه إلى زنكى فذم الرسل زنكى فيما فعله فأرصد لهم في طريقهم وسيقوا إليه وهم سديد الدولة بن الأنباري وأبو بكر ابن نشر الجزري فحبسهما حتى شفع فيهما المسترشد وبقي دبيس عنده حتى انحدر معه إلى العراق * (مسير الأتابك زنكى إلى العراق ولمظاهرة السلطان مسعود وانهزامه) *
(٢٢٦)