فقعد في بيته عن المجلس السلطاني وطير بالخبر إلى مصر فاستراب الجوباني وسابقه بالحضور عند السلطان لينضح عنه ما علق به من الأوهام وأذن له في ذلك فنهض من دمشق على البريد في ربيع سنة تسعين ولما انتهى إلى سرياقوس أزعج إليه استاذداره بهادر المنجكي فقبض عليه وطير به السفن إلى الإسكندرية وأصبح السلطان من الغد فقبض على قردم والطنبقا المعلم وألحقهما به فحبسوا هنالك جميعا وانحسم ما كان يتوقع من انتقاضهم وولى السلطان مكان الجوباني بدمشق طرنطاي الحاجب ومكان قردم بمصر ابن عمه مجماس ومكان المعلم دمرداش واستمر الحال على ذلك * (فتنة الناصري واستيلاؤه على الشأم ومصر واعتقال السلطان بالكرك) * لما بلغ الناصري بحلب اعتقال هؤلاء الأمراء استراب واضطرب وشرع في أسباب الانتقاض ودعا إليه من يشيع الشر وسماسرة الفتن من الأمراء وغيرهم فأطاعوه وافتتح أمره بالنكير للأمير سودون المظفري والانحراف عنه لما كان منه في نكبته واغراء السلطان به ثم ولايته مكانه ومن وظائف الحاجب في دولة الترك خطة البريد المعروفة في الدول القديمة فهو يطالع السلطان بما يحدث في عمله ويعترض شجى في صدر من يريد الانتقاض من ولاته فأظلم الجو بين هؤلاء الرهط وبين المظفري وتفاقم الامر وطير بالخبر إلى السلطان فأخرج للوقت دواداره الأصغر تلكتمر ليصلح بينهما ويسكن الثائرة وحين سمعوا بمقدمه ارتابوا وارتبكوا في أمرهم وقدم تلكتمر فتلقاه الناصري وألقى إليه كتاب السلطان بالندب إلى الصلح مع الحاجب والاغضاء له فأجاب بعد أن التمس من حقائب تلكتمر مخاطبة السلطان وملاطفته للأمراء حتى وقف عليه ثم غلب عليه أولئك الرهط من أصحابه بالفتك بالحاجب فأطاعهم وباكرهم تلكتمر بدار السعادة ليتم الصلح بينهم وتذهب الهواجس والنفرة فدعاه الناصر إلى بعض خلواته وبينما هو يحادثه وإذا بالقوم قد وثبوا على الحاجب وفتكوا به وتولى كبر ذلك انبقا الجوهري واتصلت الهيعة فوجم تلكتمر ونهض إلى محل نزوله واجتمع الأمراء إلى الناصري واعصوصبوا عليه ودعاهم إلى الخلعان فأجابوا وذلك في محرم سنة احدى وتسعين واتصل الخبر بطرابلس وبها جماعة من الأمراء يرومون الانتقاض منهم بدلار الناصري عميد الفتن فتولى كبرها وجمع الذين تمالؤا عليها وعمدوا إلى الإيوان السلطاني المسمى بدار السعادة وقبضوا على النائب وحبسوه ولحق بدلار الناصري في عساكر طرابلس وأمرائها وفعل مثل ذلك أهل حلب وحمص وسائر ممالك الشأم وسرح السلطان العساكر لقتالهم فسار ايتمش الأتابك ويونس الدوادار والخليلي جركس أمير
(٤٨٤)