دينار فأجابوا إلى ذلك وضربوا المدة للمال والأسرى شهرين وسلموا لهم البلد فلما ملكوها غدروا بهم وحبسوهم رهنا بزعمهم في المال والأسرى والصليب ولم يكن لصلاح الدين ذخيرة من المال لكثرة انفاقه في المصالح فشرع في جمع المال حتى اجتمع مائة ألف دينار وبعث نائبا يستحلفهم على أن يضمن الفداوية من الخلف والضمان خوفا من غدر أصحابه وقال ملوكهم إذا سلمتم المال والأسرى والصليب تعطونا رهنا في بقية المال وتطلق أصحابكم وطلب صلاح الدين أن يضمن الفداوية الرهن ويحلفوا فامتنعوا أيضا وقالوا ترسلون المائة ألف دينار والأسرى والصليب فنطلق من نراه ونبقى الباقي إلى مجئ بقية المال فتبين المسلمون غدرهم وانهم يطلقون من لا يعبأ به ويمسكون الأمراء والأعيان حتى يفادوهم فلم يجبهم صلاح الدين إلى شئ ولما كان آخر رجب ركب الإفرنج إلى ظاهر البلد في احتفال وركب المسلمون فشدوا عليهم وكشفوهم عن مواقفهم فإذا المسلمون الذين كانوا عندهم قتلى بين الصفين قد استلحموا ضعفاءهم وتمسكوا بالأعيان للمفاداة فسقط في يد صلاح الدين وتمسك بالمال الذي جمعه لغيرها من المصالح والله تعالى أعلم * (تخريب صلاح الدين عسقلان) * ولما استولى الإفرنج على عكا استوحش المركيش صاحب صور من ملك انكلطيرة وأحس منه بالغدر فلحق ببلده صور ثم سار الإفرنج مستهل شعبان لقصد عسقلان وساروا مع ساحل البحر لا يفارقونه ونادى صلاح الدين باتباعهم مع ابنه الأفضل وسيف الدين أبى زكوش وعز الدين خرديك فاتبعوهم يقاتلونهم ويتخطفونهم من كل ناحية ففتكوا فيهم بالقتل والأسر وبعث الأفضل إلى أبيه يستمده فلم يجد العساكر مستعدة وسار ملك انكلطيرة في ساقة الإفرنج فحملهم وانتهوا إلى يافا فأقاموا بها والمسلمون قبالتهم مقيمون ولحق بهم من عكا من احتاجوا إليه ثم ساروا إلى قيسارية والمسلمون يتبعونهم ويقتلون من ظفروا به منهم وزاحموهم عند قيسارية فنالوا منهم وباتوا بها مثاورين واختطف المسلمون منهم بالليل فقتلوا وأسروا وساروا من الغد إلى أرسوف وسبقهم المسلمون إليها لضيق الطريق فحملوا عليهم عندها حتى اضطروهم إلى البحر فحينئذ استمات الإفرنج وحملوا على المسلمين فهزموهم وأثخنوا في تابعهم وألحقوهم بالقلب وفيه صلاح الدين وتستر المسلمون المنهزمون بخمر الشعراء فرجع الإفرنج عنهم وانفرج ما كانوا فيه من الضيق المذكور وساروا إلى يافا فوجدوها خالية وملكوها وكان صلاح الدين قد سار من مكان الهزيمة إلى الرملة وجمع مخلفه وأثقاله واعتزم على مسابقة الإفرنج إلى عسقلان فمنعه أصحابه وقالوا
(٣٢٦)