محجمين عن ذلك صعد المنبر يوم الجمعة قبل الخطيب ودعى للمستضئ فلما كانت الجمعة القابلة أمر صلاح الدين الخطباء بمصر والقاهرة بقطع خطبة العاضد والخطبة للمستضئ فتراسلوا بذلك ثاني جمعة من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة وكان المستضئ قد ولى الخلافة بعد أبيه المستنجد في ربيع من السنة قبلها ولما خطب له بمصر كان العاضد مريضا فلم يشعروه بذلك وتوفى يوم عاشوراء من السنة ولما خطب له على منابر مصر جلس صلاح الدين للعزاء واستولى على قصره ووكل به بهاء الدين قراقوش وكان فيه من الذخائر ما يعز وجوده مثل حبل الياقوت الذي وزن كل حصاة منه سبعة عشر مثقالا ومصاف الزمرذ الذي طوله أربعة أصابع طولا في عرض ومثل طبل القولنج الذي يضربه ضاربه فيعافي بذلك من داء القولنج وكسروه لما وجدوا ذلك منه فلما ذكرت لهم منفعته ندموا عليه ووجدوا من الكتب النفيسة ما لا يعدو نقل أهل العاضد إلى بعض حجر القصر ووكل بهم واخرج الإماء والعبيد وقسمهم بين البيع والهبة والعتق وكان العاضد لما اشتد مرضه استدعاه فلم يجب داعيه وظنها خديعة فلما توفى ندم وكان يصفه بالكرم ولين الجانب وغلبة الخير على طبعه والانقياد ولما وصل الخبر إلى بغداد بالخطبة للمستضئ ضربت البشائر وزينت بغداد أياما وبعثت الخلع لنور الدين وصلاح الدين مع صندل الخادم من خواص المقتفى فوصل إلى نور الدين وبعث بخلعة صلاح الدين وخلع الخطباء بمصر والاعلام السود والله تعالى أعلم * (الوحشة بين صلاح الدين ونور الدين) * قد كان تقدم لنا ذكر هذه الوحشة في أخبار نور الدين مستوفاة وأن صلاح الدين غزا بلاد الإفرنج سنة سبع وستين وحاصر حصن الشوبك على مرحلة من الكرك حتى استأمنوا إليه فبلغ ذلك نور الدين فاعتزم على قصد بلاد الإفرنج من ناحية أخرى فارتاب صلاح الدين في أمره وفي لقاء نور الدين واظهار طاعته وما ينشأ عن ذلك من تحكمه فيه فأسرع العود إلى مصر واعتذر لنور الدين بشئ بلغه عن شيعة العلويين ليعتزله نور الدين وأخذ في الاستعداد لعزله وبلغ ذلك صلاح الدين وأصحابه فتفاوضوا في مدافعته ونهاهم أبوه نجم الدين أيوب وأشار بمكاتبته والتلطف له مخافة أن يبلغه غير ذلك فيقوى عزمه على العمل به ففعل ذلك صلاح الدين فسالمه نور الدين وعادت المخالطة بينهما كما كانت واتفقا على اجتماعهما لحصار الكرك فسار صلاح الدين لذلك سنة ثمان وستين وخرج نور الدين من دمشق بعد أن تجهز فلما انتهى إلى الرقيم على مرحلتين من الكرك وبلغ صلاح الدين خبره ارتابه ثانيا وجاءه الخبر بمرض نجم الدين أبيه بمصر فكر راجعا وأرسل إلى نور الدين الفقيه عيسى الهكاري بما وقع من حديث
(٢٨٥)